فقالوا هو الورع فقال لهم حسان بن أبي سنان ما شيء عندي أسهل من الورع إذا حاك في صدري شيء تركته

فهذا شرط الورع وإنما نذكر الآن حكم الظاهر فنقول حكم هذه الحالة أن المجهول إن قدم إليك طعاماً أو حمل إليك هدية أو أردت أن تشتري من دكانه شيئاً فلا يلزمك السؤال بل يده وكونه مسلماً دلالتان كافيتان في الهجوم على أخذه

وليس لك أن تقول الفساد والظلم غالب على الناس فهذه وسوسة وسوء ظن بهذا المسلم بعينه وإن بعض الظن إثم

وهذا المسلم يستحق بإسلامه عليك أن لا تسيء الظن به فإن أسأت الظن به في عينه لأنك رأيت فساداً من غيره فقد جنيت عليه وأثمت به في الحال نقداً من غير شك ولو أخذت المال لكان كونه حراما مشكوكاً فيه

ويدل عليه أنا نعلم ان الصحابة رضي الله عنهم في غزواتهم واسفارهم كانوا ينزلون في القرى ولا يردون القرى ويدخلون البلاد ولا يحترزون من الأسواق وكان الحرام أيضاً موجوداً في زمانهم وما نقل عنهم سؤال إلا عن ريبة إذ كان صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه بل سأل في أول قدومه إلى المدينة عما يحمل إليه أصدقة أم هدية (?)

لأن قرينة الحال تدل وهو دخول المهاجرين المدينة وهم فقراء فغلب على الظن أن ما يحمل إليهم بطريق الصدقة ثم إسلام المعطي ويده لا يدلان على أنه ليس بصدقة

وكان يدعى إلى الضيافات فيجيب ولا يسأل أصدقة أم لا (?) إذ العادة ما جرت بالتصدق بالضيافة

ولذلك دعته أم سليم (?)

ودعاه الخياط (?)

كما في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه وقدم إليه طعاماً فيه قرع ودعاه الرجل الفارسي فقال عليه الصلاة والسلام أنا وعائشة فقال: لا فقال: {فلا} ثم أجابه بعد فذهب هو وعائشة يتساوقان فقرب إليهما إهالة (?)

ولم ينقل السؤال في شيء من ذلك وسأل أبو بكر رضي الله عنه عبده عن كسبه لما رابه من أمره وسأل عمر رضي الله عنه الذي سقاه من لبن إبل الصدقة إذ رابه وكان أعجبه طعمه ولم يكن على ما كان يألفه كل مرة

وهذه أسباب الريبة وكل من وجد ضيافة عند رجل مجهول لم يكن عاصياً بإجابته من غير تفتيش بل لو رأى في داره تجملاً ومالاً كثيراً فليس له أن يقول الحلال عزيز وهذا كثير فمن أين يجتمع هذا من الحلال بلى هذا الشخص بعينه يحتمل ان يكون ورث مالاً أو اكتسبه فهو بعينه يستحق إحسان الظن به وأزيد على هذا وأقول: ليس له أن يسأله بل إن كان يتورع فلا يدخل جوفه إلا ما يدري من أين هو فهو حسن فليتلطف في الترك وإن كان لا بدله من أكله فليأكل بغير سؤال إذ السؤال إيذاء وهتك ستر وإيحاش وهو حرا م بلا شك

فإن قلت لعله لا يتأذى فأقول: لعله يتأذى فأنت تسأل حذراً من لعل فإن قنعت فلعل ماله حلال وليس الإثم المحذور في إيذاء مسلم بأقل من الإثم في أكل الشبهة والحرام والغالب على الناس الاستيحاش بالتفتيش ولا يجوز له أن يسأل من غيره من حيث يدري هو به لأن الإيذاء في ذلك اكثر وإن سأل من حيث لا يدري هو ففيه إساءة ظن وهتك ستر وفيه تجسس وفيه تشبث بالغيبة وإن لم يكن ذلك صريحاً

وكل ذلك منهي عنه في آية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015