ذلك وليست الكراهة لنجاستها فإن الصحيح أنها لا تنجس بالموت إذ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يمقل الذباب في الطعام إذا وقع فيه (?)

وربما يكون حاراً ويكون ذلك سبب موته ولم تهرت نملة أو ذبابة في قدر لم يجب إراقتها إذ المستقذر هو جرمه إذا بقي له جرم ولم ينجس حتى يحرم بالنجاسة وهذا يدل على أن تحريمه للاستقذار ولذلك نقول لو وقع جزء من آدمي ميت في قدر ولو وزن دانق حرم الكل لا لنجاسته فإن الصحيح أن الآدمي لا ينجس بالموت ولكن لأن أكله محرم احتراماً لا استقذاراً

وأما الحيوانات المأكولة إذا ذبحت بشرط الشرع فلا تحل جميع أجزائها بل يحرم منها الدم والفرث وكل ما يقضى بنجاسته منها بل تناول النجاسة مطلقاً محرم ولكن ليس في الأعيان شيء محرم نجس إلا من الحيوانات

وأما من النبات فالمسكرات فقط دون ما يزيل العقل ولا يسكر كالبنج فإن نجاسة المسكر تغليظ للذجر عنه لكونه في مظنة التشوف ومهما وقعت قطرة من النجاسة أو جزء من نجاسة جامدة في مرقة أو طعام أو دهن حرم أكل جميعه ولا يحرم الانتفاع به لغير الأكل فيجوز الاستصباح بالدهن النجس وكذا طلاء السفن والحيوانات وغيرها فهذه مجامع ما يحرم لصفة في ذاته الْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَحْرُمُ لِخَلَلٍ فِي جِهَةِ إثبات اليد عليه

وفيه يتسع النظر فنقول أخذ المال إما أن يكون باختيار المالك أو بغير اختياره فالذي يكون بغير اختياره كالإرث والذي يكون باختياره إما أن لا يكون من مالك كنيل المعادن أو يكون من مالك والذي أخذ من مالك فإما أن يؤخذ قهراً أو يؤخذ تراضياً والمأخوذ قهراً إما أن يكون لسقوط عصمة المالك كالغنائم أو لاستحقاق الأخذ كزكاة الممتنعين والنفقات الواجبة عليهم والمأخوذ تراضياً إما أن يؤخذ بعوض كالبيع والصداق والأجرة وإما أن يؤخذ بغير عوض كالهبة والوصية فيحصل من هذا السياق ستة أَقْسَامٌ

الْأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ كَنَيْلِ الْمَعَادِنِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ وَالِاسْتِقَاءِ من الأنهار والاحتشاش فهذا حلال بشرط أَنْ لَا يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مُخْتَصًّا بِذِي حُرْمَةٍ من الآدميين فإذا انفك من الاختصاصات ملكها آخذها

وتفصيل ذلك في كتاب إحياء الموات

الثاني المأخوذة قَهْرًا مِمَّنْ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَهُوَ الْفَيْءُ والغنيمة وسائر أموال الكفار والمحاربين وَذَلِكَ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا أَخْرَجُوا مِنْهَا الْخُمْسَ وَقَسَّمُوهَا بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يَأْخُذُوهَا مِنْ كافر له حرمة وأمان وعهد

وتفصيل هذه الشروط في كتاب السير من كتاب الفيء والغنيمة وكتاب الجزية

الثالث ما يؤخذ قهراً باستحقاق عند امتناع من وجب عليه فيؤخذ دون رضاه وذلك حلال إذا تم سبب الاستحقاق وتم وصف المستحق الذي به استحقاقه واقتصر على القدر المستحق واستوفاه ممن يملك الاستيفاء من قاض أو سلطان أو مستحق وتفصيل ذلك في

كتاب تفريق الصدقات وكتاب الوقف وكتاب النفقات إذ فيها النظر في صفة

المستحقين للزكاة والوقف والنفقة وغيرها من الحقوق فإذا استوفيت شرائطها كان المأخوذ حلالاً

الرابع مَا يُؤْخَذُ تَرَاضِيًا بِمُعَاوَضَةٍ وَذَلِكَ حَلَالٌ إِذَا روعي شرط العوضين وشرط العاقدين وشرط اللفظين أعني الإيجاب والقبول مَعَ مَا تَعَبَّدَ الشَّرْعُ بِهِ مِنِ اجْتِنَابِ الشروط المفسدة

وبيان ذلك في كتاب البيع والسلم والإجارة والحوالة والضمان والقراض والشركة والمساقاة والشفعة والصلح والخلع والكتابة والصداق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015