والثمر مثمراً

وهذا معنى قول بعضهم كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة ولا يصدر التنعيم إلا من الأنس والحب ولا يصدر الأنس إلا من المداومة على المكابدة والتكلف مدة طويلة حتى يصير التكلف طبعاً فكيف يستبعد هذا وقد يتكلف الإنسان تناول طعام يستبشعه أولاً ويكابد أكله ويواظب عليه فيصير موافقاً لطبعه حتى لا يصبر عنه فالنفس معتادة متحملة لما تتكلف

هي النفس ما عودتها تتعود ...

أي ما كلفتها أولاً يصير لها طبعاً آخراً

ثم إذا حصل الأنس بذكر الله سبحانه انقطع عن غير ذكر الله وما سوى الله عز وجل هو الذي يفارقه عند الموت فلا يبقى معه في القبر أهل ولا مال ولا ولد ولا ولاية ولا يبقى إلا ذكر الله عز وجل

فإن كان قد أنس به تمتع به وتلذذ بانقطاع العوائق الصارفة عنه إذ ضرورات الحاجات في الحياة الدنيا تصد عن ذكر الله عز وجل ولا يبقى بعد الموت عائق فكأنه خلى بينه وبين محبوبه فعظمت غبطته وتخلص من السجن الذي كان ممنوعاً فيه عما به أنسه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت فإنك مفارقه (?) أراد به كل ما يتعلق بالدنيا فإن ذلك يفنى في حقه بالموت ف كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وإنما تفنى الدنيا بالموت في حقه إلى أن تفنى في نفسها عند بلوغ الكتاب أجله

وهذا الأنس يتلذذ به العبد بعد موته إلى أن ينزل في جوار الله عز وجل ويترقى من الذكر إلى اللقاء وذلك بعد أن يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور ولا ينكر بقاء ذكر الله عز وجل معه الموت فيقول إنه أعدم فكيف يبقى معه ذكر الله عز وجل فإنه لم يعدم عدماً يمنع الذكر بل عدماً من الدنيا وعالم الملك والشهادة لا من عالم الملكوت

وإلى ما ذكرناه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة (?) وبقوله صلى الله عليه وسلم أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر (?) وبقوله صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر من المشركين يا فلان ويا فلان وقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً (?) فسمع عمر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يسمعون وأنى يجيبون وقد جيفوا فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ما أنتم بأسمع لكلامي منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا والحديث في الصحيح هذا قوله صلى الله عليه وسلم في المشركين فأما المؤمنون والشهداء فقد قال صلى الله عليه وسلم أرواحهم في حواصل طيور خضر معلقة تحت العرش (?) وهذه الحالة وما أشير بهذه الألفاظ إليه لا ينافي ذكر الله عز وجل وقال تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الآية ولأجل شرف ذكر الله عز وجل عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب الخاتمة ونعني بالخاتمة وداع الدنيا والقدوم على الله والقلب مستغرق بالله عز وجل منقطع العلائق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015