الفرح وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعاً لجلاله واستشعاراً لعظمته وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عز وجل ولداً وصاحبة يغض صوته ويكسر في باطنه حياء قبح مقالتهم وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقاً إليها وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفاً منها وَلَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لابن مسعود اقرأ علي (?) قال فافتتحت سورة النساء فلما بلغت {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} رأيت عينيه تذرفان بالدمع فقال لي حسبك الآن وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية

ولقد كان في الخائفين من خر مغشياً عليه عند آيات الوعيد

ومنهم من مات في سماع الآيات فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكياً في كلامه فإذا قال إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ولم يكن خائفاً كان حاكياً

وإذا قال عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكياً

وإذا قال ولنصبرن على ما آذيتمونا فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة

فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات كَانَ حَظُّهُ مِنَ التِّلَاوَةِ حَرَكَةَ اللِّسَانِ مَعَ صَرِيحِ اللَّعْنِ عَلَى نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إلا لعنة الله على الظالمين وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أن تقولوا ما لا تفعلون وفي قوله عز وجل وهم في غفلة معرضون وفي قوله فأعرض عمن تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدنيا وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هم الظالمون إلى غير ذلك من الآيات وكان داخلاً في معنى قوله عز وجل ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني يعني التلاوة المجردة وقوله عز وجل وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون لأن القرآن هو المبين لتلك الآيات في السموات والأرض ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضاً عنها ولذلك قيل إن من لم يكن متصفاً بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله تعالى مالك ولكلامي وأنت معرض عني دع عنك كلامي إن لم تتب إلي

ومثال العاصي إذا قرأ القرآن وكرره مثال من يكرر كتاب الملك في كل يوم مرات وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو مشغول بتخريبها ومقتصر على دراسة كتابه فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق المقت

ولذلك قال يوسف بن أسباط إني لأهم بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فاعدل إلى التسبيح والاستغفار

والمعرض عن العمل به أريد بقوله عز وجل فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ولانت له جلودكم فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه وفي بعضها فإذا اختلفتم فقوموا عنه (?) قال الله تعالى الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يتوكلون وقال صلى الله عليه وسلم إن أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى اللَّهُ تَعَالَى (?) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسمع القرآن من أحد أشهى ممن يخشى الله عز وجل (?) يراد لاستجلاب هذه الأحوال إلى القلب والعمل به وإلا فالمؤنة في تحريك اللسان بحروفه خفيفة ولذلك قال بعض القراء قرأت القرآن على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانياً فانتهرني وقال جعلت القرآن علي عملاً اذهب فاقرأ على الله عز وجل فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك

وبهذا كان شغل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015