ثم نذكر حقيقة الرضا وكيفية تصوره فيما يخالف الهوى ثم نذكر ما يظن أنه من تمام الرضا وليس منه كترك الدعاء والسكوت على المعاصي

بيان فضيلة الرضا

أما من الآيات فقوله تعالى {رضي الله عنهم ورضوا عنه} وقد قال تعالى {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} ومنتهى الإحسان رضا الله عن عبده وهو ثواب رضا العبد عن الله تعالى

وقال تعالى {ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر} فقد رفع الله الرضا فوق جنات عدن كما رفع ذكره فوق الصلاة حيث قال {إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} فكما أن مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة بل هو غاية مطلب سكان الجنان

وفي الحديث إن الله تعالى يتجلى للمؤمنين فيقول سلوني فيقولون رضاك (?) فسؤالهم الرضا بعد النظر نهاية التفضيل

وأما رضا العبد فسنذكر حقيقته وأما رضوان الله تعالى عن العبد فهو بمعنى آخر يقرب مما ذكرناه في حب الله للعبد ولا يجوز أن يكشف عن حقيقته إذ تقصر أفهام الخلق عن دركه ومن يقوى عليه فيستقل بإدراكه من نفسه

وعلى الجملة فلا رتبة فوق النظر إليه فإنما سألوه الرضا لأنه سبب دوام النظر فكأنهم رأوه غاية الغايات وأقصى الأماني لما ظفروا بنعيم النظر فلما أمروا بالسؤال لم يسألوا إلا دوامه وعلموا أن الرضا هو سبب دوام رفع الحجاب

وقال الله تعالى {ولدينا مزيد} قال بعض المفسرين يأتي أهل الجنة في وقت المزيد ثلاث تحف من عند رب العالمين أحداها هدية من عند الله تعالى ليس عندهم في الجنان مثلها فذلك قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لهم من قرة عين والثانية السلام عليهم من ربهم فيزيد ذلك على الهدية فضلاً وهو قوله تعالى {سلام قولاً من رب رحيم} والثالثة يقول الله تعالى إني عنكم راض فيكون ذلك أفضل من الهدية والتسليم فذلك قوله تعالى {ورضوان من الله أكبر} أي من النعيم الذي هم فيه فهذا فضل رضا الله تعالى وهو ثمرة رضا العبد

وأما من الأخبار فقد رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل طائفة من أصحابه ما أنتم فقالوا مؤمنون فقال ما علامة إيمانكم فقالوا نصبر على البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء فقال مؤمنون ورب الكعبة (?) وفي خبر آخر أنه قال حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء (?) وفي الخبر طوبى لمن هدي للإسلام وكان رزقه كفافاً ورضي بِهِ (?) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رضي من الله تعالى بالقليل من الرزق رضي الله تعالى منه بالقليل من العمل (?) وقال أيضاً إذا أحب الله تعالى عبداً ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضي اصطفاه وقال أيضاً إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015