بيان كيفية توزع الدرجات والدركات في الآخرة على الحسنات والسيئات في الدنيا

بيان كيفية توزع الدرجات والدركات في الآخرة على الحسنات والسيئات في

الدنيا

اعلم أن الدنيا من عالم الملك والشهادة والآخرة من عالم الغيب والملكوت وأعني بالدنيا حالتك قبل الموت وبالآخرة حالتك بعد الموت في فدنياك وآخرتك صفاتك وأحوالك يسمى القريب الداني منها دنيا والمتأخر آخرة ونحن الآن نتكلم من الدنيا في الآخرة فإنا الآن نتكلم في الدنيا وهو عالم الملك وغرضنا شرح الآخرة وهي عالم الملكوت ولا يتصور شرح عالم الملكوت في عالم الملك إلا بضرب الأمثال ولذلك قال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون وهذا لأن عالم الملك نوم بالإضافة إلى عالم الملكوت ولذلك قال صلى الله عليه وسلم الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا (?) وما سيكون في اليقظة لا يتبين لك في النوم إلا الأمثال المحوجة إلى التعبير فكذلك ما سيكون في يقظة الآخرة لا يتبين في نوم الدنيا إلا في كثرة الأمثال وأعني بكثرة الأمثال ما نعرفه من علم التعبير ويكفيك منه إن كنت فطناً ثلاثة أمثلة

فقد جاء رجل إلى ابن سرين فقال رأيتك كأن في يدي خاتماً أختم به أفواه الرجال وفروج النساء فقال إنك مؤذن تؤذن في رمضان قبل طلوع الفجر قال صدقت وجاء رجل آخر فقال رأيت كأني أصب الزيت في الزيتون فقال إن كان تحتك جارية اشتريتها ففتش عن حالها فإن أمك سبيت في صغرك لأن الزيتون أصل الزيت فهو يرد إلى الأصل فنظر فإذا جاريته كانت أمه وقد سبيت في صغره وقال له آخر رأيت كأني أقلد الدر في أعناق الخنازير فقال إنك تعلم الحكمة غير أهلها فكان كما قال والتعبير من أوله إلى آخره أمثال تعرفك طريق ضرب الأمثال وإنما نعني بالمثل أداء المعنى في صورة إن نظر إلى معناه وجده صادقاً وإن نظر إلى صورته وجده كاذباً فالمؤذن إن نظر إلى صورة الخاتم والختم به على الفروج رآه كاذباً فإنه لم يختم به قط وإن نظر إلى معناه وحده صادقاً إذ صدر منه روح الختم ومعناه وهو المنع الذي يراد الختم له وليس للأنبياء أن يتكلموا مع الخلق إلا بضرب الأمثال لأنهم كلفوا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم وقدر عقولهم أنهم في النوم والنائم لا يكشف له عن شيء إلا بمثل فإذا ماتوا انتبهوا وعرفوا أن المثل صادق ولذلك قال صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن (?) وهو من المثال الذي لا يعقله إلا العالمون فأما الجاهل فلا يجاوز قدره ظاهر المثال لجهله بالتفسير الذي يسمى تأويلاً كما يسمى تفسير ما يرى من الأمثلة في النوم تعبيراً فيثبت لله تعالى يداً وإصبعاً تعالى الله عن قوله علواً كبيراً وكذلك في قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ خلق آدم على صورته (?) فإنه لا يفهم من الصورة إلا اللون والشكل والهيئة فيثبت لله تعالى مثل ذلك تعالى الله عن قوله علواً كبيراً من ههنا زل من زل في صفات إلهية حتى في الكلام وجعلوه صوتاً وحرفاً إلى غير ذلك من الصفات والقول فيه يطول وكذلك قد يرد في أمر الآخرة ضرب أمثلة يكذب بها الملحد بجمود نظره على ظاهر المثال وتناقضه عنده كقوله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح (?) فيثور الملحد الأحمق ويكذب ويستدل به على كذب الأنبياء ويقول يا سبحان الله الموت عرض والكبش جسم فكيف ينقلب العرض جسماً وهل هذا إلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015