غير ذلك من الأخبار التي أوردناها في جميع ربع المهلكات في الأخلاق المذمومة

فَهَؤُلَاءِ زَيَّنُوا ظَوَاهِرَهُمْ وَأَهْمَلُوا بَوَاطِنَهُمْ وَنَسُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم // حديث إن الله لا ينظر إلى صوركم الحديث تقدم

فَتَعَهَّدُوا الْأَعْمَالَ وَمَا تَعَهَّدُوا الْقُلُوبَ وَالْقَلْبُ هُوَ الْأَصْلُ إِذْ لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَتَى الله بقلب سليم

ومثال هؤلاء كبئر الحش ظاهرها جص وباطنها نتن أو كقبور الموتى ظاهرها مزين وباطنها جيفة أو كبيت مظلم باطنه وضع سراج على سطحه فاستنار ظاهره وباطنه مظلم أو كرجل قصد الملك ضيافته إلى داره فجصص باب داره وترك المزابل في صدر داره ولا يخفى أن ذلك غرور بل أقرب مثال إليه رجل زرع زرعاً فنبت ونبت معه حشيش يفسده فأمر بتنقية الزرع عن الحشيش بقلعه من أصله فأخذ يجز رءوسه وأطرافه فلا تزال تقوى أصوله فتنبت لأن مغارس المعاصي هي الأخلاق الذميمة في القلب فمن لا يطهر القلب منها لا تتم له الطاعات الظاهرة إلا مع الآفات الكثيرة

بل هو كمريض ظهر به الجرب وقد أمر بالطلاء وشرب الدواء فالطلاء ليزيل ما على ظاهره والدواء ليقطع مادته من باطنه فقنع بالطلاء وترك الدواء وبقي يتناول ما يزيد في المادة فلا يزال يطلي الظاهر والجرب دائم به يتفجر من المادة التي في الباطن

وفرقة أخرى علموا أن هذه الأخلاق الباطنة مذمومة من جهة الشرع إلا أنهم لعجبهم بأنفسهم يظنون أنهم منفكون عنها وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بذلك وإنما يبتلي به العوام دون من بلغ مبلغهم في العلم فأما هم فأعظم عند الله من أن يبتليهم ثم إذا ظهر عليهم مخايل الكبر والرياسة وطلب العلو والشرف قالوا ما هذا كبر وإنما هو طلب عز الدين وإظهار شرف العلم ونصرة دين الله وإرغام أنف المخالفين من المبتدعين وإني لو لبست الدون من الثياب وجلست في الدون من المجالس لشمت بي أعداء الدين وفرحوا بذلك وكان ذلي ذلاً على الإسلام ونسي المغرور أن عدوه الذي حذره منه مولاه هو الشيطان وأنه يفرح بما يفعله ويسخر به وينسى أن النبي صلى الله عليه وسلم بماذا نصر الدين وبماذا أرغم الكافرين ونسي ما روي عن الصحابة من التواضع والتبذل والقناعة بالفقر والمسكنة حتى عوتب عمر رضي الله عنه في بذاذة زيه عند قدومه إلى الشام فقال إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب العز في غيره ثم هذا المغرور يطلب عز الدين بالثياب الرقيقة من القصب والديبقي والإبريسم المحرم والخيول والمراكب ويزعم أنه يطلب به عز العلم وشرف الدين وكذلك مهما أطلق اللسان بالحسد في أقرانه أو فيمن رد عليه شيئاً من كلامه لم يظن بنفسه أن ذلك حسد ولكن قال إنما هذا غضب للحق ورد على المبطل في عدوانه وظلمه ولم يظن بنفسه الحسد حتى يعتقد أنه لو طعن في غيره من أهل العلم أو منع غيره من رياسة وزوحم فيها هل كان غضبه وعداوته مثل غضبه الآن فيكون غضبه لله أم لا يغضب مهما طعن في عالم آخر ومنع بل ربما يفرح به فيكون غضبه لنفسه وحسده لأقرانه من خبث باطنه وهكذا يرأئي بأعماله وعلومه وإذا خطر له خاطر الرياء قال هيهات إنما غرضي من إظهار العلم والعمل اقتداء الخلق بي ليهتدوا إلى دين الله تعالى فيتخلصوا من عقاب الله تعالى ولا يتأمل المغرور أنه ليس يفرح باقتداء الخلق بغيره كما يفرح باقتدائه به فلو كان غرضه صلاح الخلق لفرح بصلاحهم على يد من كان كمن له عبيد مرضى يريد معالجتهم فإنه لا يفرق بين أن يحصل شفاؤهم على يده أو على يد طبيب آخر وربما يذكر هذا له فلا يخليه الشيطان أيضاً ويقول إنما ذلك لأنهم إذا اهتدوا بي كان الأجر لي والثواب لي فإنما فرحي بثواب الله لا بقبول الخلق قولي هذا ما يظنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015