باليسير وبالصبر وتعالج طُولُ الْأَمَلِ بِكَثْرَةِ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالنَّظَرِ فِي مَوْتِ الْأَقْرَانِ وَطُولِ تَعَبِهِمْ فِي جَمْعِ الْمَالِ وضياعه بعدهم وتعالج الْتِفَاتُ الْقَلْبِ إِلَى الْوَلَدِ بِأَنَّ خَالِقَهُ خَلَقَ معه رزقه وكم من ولد ولم يَرِثْ مِنْ أَبِيهِ مَالًا وَحَالُهُ أَحْسَنُ مِمَّنْ وَرِثَ وَبِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَالَ لِوَلَدِهِ يريد أن يترك ولده بخير وينقلب هو إلى شر وأن ولده إن كان تقياً صالحاً فالله كافيه وإن كان فاسقاً فيستعين بماله على المعصية وترجع مظلمته إليه

ويعالج أيضاً قلبه بِكَثْرَةِ التَّأَمُّلِ فِي الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَمِّ الْبُخْلِ وَمَدْحِ السَّخَاءِ وَمَا تَوَعَّدَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْبُخْلِ مِنَ الْعِقَابِ الْعَظِيمِ

وَمِنَ الْأَدْوِيَةِ النَّافِعَةِ كَثْرَةُ التَّأَمُّلِ فِي أَحْوَالِ الْبُخَلَاءِ وَنَفْرَةُ الطَّبْعِ عَنْهُمْ وَاسْتِقْبَاحُهُمْ لَهُ فَإِنَّهُ مَا مِنْ بَخِيلٍ إِلَّا وَيَسْتَقْبِحُ الْبُخْلَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَسْتَثْقِلُ كل بخيل مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَثْقَلٌ وَمُسْتَقْذَرٌ فِي قُلُوبِ النَّاسِ مِثْلُ سَائِرِ الْبُخَلَاءِ فِي قَلْبِهِ

ويعالج أيضاً قلبه بِأَنْ يَتَفَكَّرَ فِي مَقَاصِدِ الْمَالِ وَأَنَّهُ لِمَاذَا خلق ولا يحفظ من المال إلا بقدر حاجته إليه وَالْبَاقِي يَدَّخِرُهُ لِنَفْسِهِ فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ يَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ بَذْلِهِ

فَهَذِهِ الْأَدْوِيَةُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ فَإِذَا عَرَفَ بِنُورِ الْبَصِيرَةِ أَنَّ الْبَذْلَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْإِمْسَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هَاجَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْبَذْلِ إِنْ كَانَ عاقلاً فإن تَحَرَّكَتِ الشَّهْوَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ الْخَاطِرَ الْأَوَّلَ وَلَا يَتَوَقَّفَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُهُ الْفَقْرَ وَيُخَوِّفُهُ ويصده عنه

حكي أن أبا الحسن البوشنجي كان ذات يوم في الخلاء فدعا تلميذاً له وقال انزع عني القميص وادفعه إلى فلان فقال هلا صبرت حتى تخرج قال لم آمن على نفسي أن تتغير وكان قد خطر لي بذله ولا تزول صفة البخل إلا بالبذل تكلفاً كما لا يزول العشق إلا بمفارقة المعشوق بالسفر عن مستقره حتى إذا سافر وفارق تكلفاً وصبر عنه مدة تسلى عنه قلبه فكذلك الذي يريد علاج البخل ينبغي أن يفارق المال تكلفاً بأن يبذله بل لو رماه في الماء كان أولى به من إمساكه إياه مع الحب له

ومن لطائف الحيل فيه أن يخدع نفسه بحسن الاسم والاشتهار بالسخاء فيبذل على قصد الرياء حتى تسمح نفسه بالبذل طمعاً في حشمة الجود فيكون قد أزال عن نفسه خبث البخل واكتسب بها خبث الرياء ولكن ينعطف بعد ذلك على الرياء ويزيله بعلاجه ويكون طلب الاسم كالتسلية للنفس عند فطامها عن المال كما يسلي الصبي عند الفطام عن الثدي باللعب بالعصافير وغيرها لا ليخلى واللعب ولكن لينفك عن الثدي إليه ثم ينقل عنه إلى غيره فكذلك هذه الصفات الخبيثة ينبغي أن يسلط بعضها على بعض كما تسلط الشهوة على الغضب وتكسر سورته بها ويسلط الغضب على الشهوة وتكسر رعونتها به إلا أن هذا مفيد في حق من كان البخل أغلب عليه من حب الجاه والرياء فيبذل الأقوى بالأضعف فإن كان الجاه محبوباً عنده كالمال فلا فائدة فيه فإنه يقلع من علة ويزيد في أخرى مثلها إلا أن علامة ذلك أن لا يثقل عليه البذل لأجل الرياء فلذلك يتبين أن الرياء أغلب عليه فإن كان البذل يشق عليه مع الرياء فينبغي أن يبذل فإن ذلك يدل على أن مرض البخل أغلب على قلبه

ومثال دفع هذه الصفات بعضها ببعض ما يقال إن الميت تستحيل جمع أجزائه دوداً ثم يأكل بعض الديدان البعض حتى يقل عددها ثم يأكل بعضها بعضاً حتى ترجع إلى اثنتين قويتين عظيمتين ثم لا تزالان تتقاتلان إلى أن تغلب إحداهما الأخرى فتأكلها وتسمن بها ثم لا تزال تبقى جائعة وحدها إلى أن تموت فكذلك هذه الصفات الخبيثة يمكن أن يسلط بعضها على بعض حتى يقمعها ويجعل الأضعف قوتاً للأقوى إلى أن لا يبقى إلا واحدة ثم تقع العناية بمحوها وإذابتها بالمجاهدة وهو منع القوت عنها

ومنع القوت عن الصفات أن لا يعمل بمقتضاها فإنها تقتضي لا محالة أعمالاً وإذا خولفت خمدت الصفات وماتت

مثل البخل فإنه يقتضي إمساك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015