اخْتَارَتِ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْعٌ لَهَا مِنَ التَّزَوُّجِ بِمَنْ شَاءَتْ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ الْمُسْلِمِ، وَالْعَهْدُ اقْتَضَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ إِلَى الْكُفَّارِ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ جَاءَ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ يُرَدُّ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا جَاءَتِ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ زَالَتْ عِصْمَةُ نِكَاحِهَا، وَأُبِيحَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُزَوِّجُوهَا، فَإِذَا فَاتَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْكُفَّارِ فَلَوْ بَقِيَتْ فِي عِصْمَتِهِ مُمْسِكًا لَهَا لَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِهَا إِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُزَوَّجَ، وَضَرَرٌ بِهِ إِنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ، فَاقْتَضَى حُكْمُهُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا أَحْسَنَ مِنْهُ تَعْجِيلَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ الْمُرْتَدَّةِ، أَوِ الْكَافِرَةِ عِنْدَهُمْ لِتَتَمَكَّنَ مِنَ التَّزْوِيجِ كَمَا تَتَمَكَّنُ الْمُسْلِمَةُ مِنَ التَّزْوِيجِ إِذَا هَاجَرَتْ، فَهَذَا مُقْتَضَى الْآيَةِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِمُجَرَّدِ إِسْلَامِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُعْطَى النُّصُوصُ حَقَّهَا، وَالسُّنَّةُ حَقَّهَا، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَبَيْنَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ بِوَجْهٍ مَا، وَالْكُلُّ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: " وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ كَانَ يَسْبِقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالتَّكَلُّمِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَتَارَةً يُسْلِمُ الرَّجُلُ وَتَبْقَى الْمَرْأَةُ مُدَّةً ثُمَّ تُسْلِمُ، كَمَا أَسْلَمَ كَثِيرٌ مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ قَبْلَ الرِّجَالِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015