احكام اهل الذمه (صفحة 1309)

مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ لِأَجْلِ زِنَاهُ، أَوْ آمَنَ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ لِأَجْلِ الرِّدَّةِ، أَوْ لِأَجْلِ تَرْكِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ عَهْدًا، سَوَاءٌ كَانَ عَقْدَ أَمَانٍ أَوْ عَقْدَ هُدْنَةٍ أَوْ عَقْدَ ذِمَّةٍ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ حَدٌّ مِنَ الْحُدُودِ، وَلَيْسَ قَتْلُهُ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ كَافِرًا حَرْبِيًّا كَمَا سَنَذْكُرُهُ.

أَمَّا الْإِغَارَةُ وَالْبَيَاتُ فَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ صَارُوا بِهِ آمِنِينَ، وَلَا اعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ قَدْ أُومِنُوا، بِخِلَافِ قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، فَثَبَتَ أَنَّ أَذَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْهِجَاءِ وَنَحْوِهِ لَا يُحْقَنُ مَعَهُ الدَّمُ بِالْأَمَانِ، فَلَأَنْ لَا يُحْقَنَ مَعَهُ بِالذِّمَّةِ الْمُؤَبَّدَةِ وَالْهُدْنَةِ الْمُؤَقَّتَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّ الْأَمَانَ يَجُوزُ عَقْدُهُ لِكُلِّ كَافِرٍ وَيَعْقِدُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ شَيْءٌ مِنَ الشُّرُوطِ وَالذِّمَّةِ لَا يَعْقِدُهَا إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَلَا يُعْقَدُ إِلَّا بِشُرُوطٍ كَثِيرَةٍ تُشْرَطُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الْتِزَامِ الصَّغَارِ وَنَحْوِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجَاءِ وَالشِّعْرِ وَهُوَ كَلَامٌ مَوْزُونٌ يُحْفَظُ وَيُرْوَى وَيُنْشَدُ بِالْأَصْوَاتِ وَالْأَلْحَانِ وَيَشْتَهِرُ بَيْنَ النَّاسِ، وَذَلِكَ لَهُ مِنَ التَّأْثِيرِ وَالْأَذَى وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَيْسَ لِلْكَلَامِ الْمَنْثُورِ، وَلِذَلِكَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ حَسَّانَ أَنْ يَهْجُوَهُمْ وَيَقُولَ: " إِنَّهُ أَنْكَى فِيهِمْ مِنَ النَّبْلِ» ". فَيُؤَثِّرُ هِجَاؤُهُ فِيهِمْ أَثَرًا عَظِيمًا يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنْ أَشْيَاءَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْهَا لَوْ سُبُّوا بِكَلَامٍ مَنْثُورٍ أَضْعَافَ الشِّعْرِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015