احكام اهل الذمه (صفحة 1247)

وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَمَنْ جَاهَرَنَا بِسَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِكْرَاهِ حَرِيمِنَا عَلَى الزِّنَى وَتَحْرِيقِ جَوَامِعِنَا وَدُورِنَا وَرَفْعِ الصَّلِيبِ فَوْقَ رُءُوسِنَا، فَلَيْسَ مَعَهُ مِنَ الصَّغَارِ شَيْءٌ، فَيَجِبُ قِتَالُهُ بِنَصِّ الْآيَةِ حَتَّى يَصِيرَ صَاغِرًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَأْمُورُ بِهِ الْقِتَالُ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمُ الْقَتْلُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ كُلَّ مَنْ أُمْرِنَا بِقِتَالِهِ مِنَ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إِذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ.

الثَّانِي: أَنَّا إِذَا كُنَّا مَأْمُورِينَ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَعْقِدَ لَهُمْ عَهْدَ الذِّمَّةِ بِدُونِهَا، وَلَوْ عُقِدَ لَهُمْ [كَانَ] عَقْدًا فَاسِدًا.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَصْلَ إِبَاحَةُ دِمَائِهِمْ، يُمْسِكُ عِصْمَتَهَا الْحَبْلَانِ: حَبْلٌ مِنَ اللَّهِ بِالْأَمْرِ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ، وَحَبْلٌ مِنَ النَّاسِ بِالْعَهْدِ وَالْعَقْدِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنَ الْحَبْلَيْنِ.

أَمَّا حَبْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الْأَمْرَ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ إِذَا كَانُوا صَاغِرِينَ، فَمَتَى لَمْ يُوجَدُ وَصْفُ الصَّغَارِ الْمُقْتَضِي لِلْكَفِّ مِنْهُمْ وَعَنْهُمْ، فَالْقَتْلُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَالْقِتَالُ لِلطَّائِفَةِ الْمُمْتَنِعَةِ وَاجِبٌ.

وَأَمَّا حَبْلُ النَّاسِ فَلَمْ يُعَاهِدْهُمُ الْإِمَامُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا عَلَى الْكَفِّ عَمَّا فِيهِ إِدْخَالُ ضَرَرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَغَضَاضَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدُ فَلَا عَهْدَ لَهُمْ مِنَ الْإِمَامِ وَلَا مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015