الثَّانِي: أَنَّ سُكُوتَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَنِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ، وَعَنِ الْإِيمَاءِ إِلَيْهِ وَالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ إِطْلَاقَهُمَا وَعُمُومَهُمَا الْمُطَّرِدَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِمَا مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مُخَصِّصٌ وَلَا مُقَيِّدٌ، فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِهِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ عَمَلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسِيرَتَهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مُبَيِّنٌ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُمَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْنِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَحِلِّ الذَّبَائِحِ وَالنِّكَاحِ إِلَّا عَلَى مُجَرَّدِ دِينِهِمْ لَا عَلَى آبَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ حَكَمَ - وَلَا أَحْسَنَ مِنْ حُكْمِهِ - أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَهُوَ مِنْهُمْ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] ، فَإِذَا كَانَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْهُمْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ كَانَ لَهُمْ حُكْمُهُمْ، وَهَذَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ مَنْ يَتَوَلَّاهُمْ وَدَخَلَ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ بَلْ إِمَّا الْإِسْلَامُ أَوِ السَّيْفُ، فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ قَبْلَ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ بِمَنْ دَخَلَ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ مَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ فَقَدِ انْتَقَلَ مِنْ دِينِهِ إِلَى دِينٍ خَيْرٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا بَاطِلَيْنِ.

وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ قَدِ انْتَقَلَ مِنْ دِينِ الْحَقِّ إِلَى الدِّينِ الْبَاطِلِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015