بِحُكْمِ النَّاقِضِينَ لِلْعَهْدِ وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ قَدْ وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَرَضِيَ الْبَاقُونَ وَكَتَمُوهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُطْلِعُوهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِأَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا نَقَضَ بَعْضُهُمْ عَهْدَهُ وَكَتَمَ الْبَاقُونَ وَسَكَتُوا وَلَمْ يُطْلِعُوهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرَى الْجَمِيعَ عَلَى حُكْمِ النَّقْضِ وَغَزَاهُمْ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ وَالْمُبَاشِرِ فِي الْجِهَادِ كَذَا، وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ سَوَاءٌ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبُغَاةِ يَسْتَوِي فِيهِ رَدْؤُهُمْ وَمُبَاشِرَتُهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ وَالْقِيَاسِ، فَإِنَّ الْمُبَاشِرِينَ إِنَّمَا وَصَلُوا إِلَى الْفِعْلِ بِقُوَّةِ رَدْئِهِمْ فَهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي السَّبَبِ، هَذَا بِالْفِعْلِ وَهَذَا بِالْإِعَانَةِ وَهَذَا بِالْحِفْظِ وَالْحِرَاسَةِ، وَلَا يَجِبُ الِاتِّفَاقُ وَالِاشْتِرَاكُ فِي عَيْنِ كُلِّ سَبَبٍ سُبِّبَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
223 - فَصْلٌ
قَوْلُهُمْ: " وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا "
لَمَّا كَانَ الضَّرْبُ بِالنَّاقُوسِ هُوَ شِعَارَ الْكُفْرِ وَعَلَمَهُ الظَّاهِرَ اشْتُرِطَ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بَيْعَةً، وَلَا يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا، وَلَا يَشْرَبُوا فِيهِ خَمْرًا ". ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَتَقَدَّمَ نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: " لَيْسَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنْ يُحْدِثُوا فِي مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْمُسْلِمُونَ بَيْعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا يَضْرِبُوا فِيهِ بِنَاقُوسٍ إِلَّا فِيمَا كَانَ لَهُمْ صُلْحًا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا الْخَمْرَ