ويُستثنى من النهي أيضاً مصاحبة الزوجة الكتابية والوالدين المشركين والأقارب بالمعروف وصحبة العمل والسفر للمشرك بالمعروف ونحو ذلك.

وأما قوله "ولا يأكل طعامك إلا تقي" قال المباركفوري في تحفة الأحوذي في شرح الترمذي: (ولا يأكل طعامك إلا تقي) أي متورع يصرف قوة الطعام إلى عبادة الله والنهي وإن نسب إلى التقي ففي الحقيقة مسند إلى صاحب الطعام، فهو من قبيل: لا أرينك ههنا. فالمعنى لا تطعم طعامك إلا تقياً. قال الخطابي هذا إنما جاء في طعام الدعوة دون طعام الحاجة وذلك أنه تعالى قال: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) ومعلوم أن أسراهم كانوا كفاراً غير مؤمنين وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته لأن المطاعم توقع الألفة، والمودة في القلوب. وقال الطيبي: ولا يأكل نهي لغير التقي أن يأكل طعامه والمراد نهيه عن أن يتعرض لما لا يأكل التقي طعامه من كسب الحرام وتعاطي ما ينفر عنه التقي. انتهى.

فمعنى الحديث كما بيَنَا أي لا تصاحب إلا مؤمن ولا يأكل طعام دعوتك إلا تقي ما لم تكن هناك مصلحة شرعية راجحة مثل نصيحة المدعو أو صلة رحم أو حاجة أو نحوها من المصالح الشرعية الراجحة والله أعلم.

ماهو المراد من قول رسول الله ?"أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين " وقوله "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله"؟

قول رسول الله "أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين " المقصود به أرض ودار الحرب، وقوله "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله" محمول على من تعينت عليه الهجرة الواجبة ويدل على هذا معرفة سبب الحديث، فعن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لهم بنصف العقل الدية وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين.

وفي رواية "لا تُساكِنوا المشركين، ولا تجامِعُوهم، فَمَن ساكَنَهُم أو جَامَعَهُم فهو منهم." رواه الترمذي وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني.

ومعنى الحديث كما أفاده الشراح: وجوب الهجرة من ديار الكفر لمن عجز عن إقامة شعائر دينه.

جاء في فيض القدير عند شرح هذا الحديث " وأفاد الخبر وجوب الهجرة أي على من عجز عن إظهار دينه وأمكنته بغير ضرر" انتهى.

كيف يُمكن التوفيق بين النصوص الواردة في مشروعية الهجر الشرعي والنصوص الواردة في فضل العفو والإغضاء عن الناس والإحسان لمن ظلم؟

النصوص الواردة في مشروعية الهجر هي إذا كانت المعصية فيما يتعلق بحق الله، أو حقوق الآخرين أما إن كانت المعصية والجناية تتعلق بحقك الشخصي أيها الإنسان أو بحق من لك الولاية عليه، فإن لك العفو والمسامحة عن ذلك في مثل ما حصل في قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وذلك حين تكلم مسطح بن أثاثة في قصة الإفك، فحلف أبو بكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015