علمت أن القول بوقوع واحدة من الثلاث على الحائض مبني على القول بأن الثلاث لا تقع جملة واحدة، بل تقع منها واحدة، أو لا يقع منها شيء أصلا، والمَبْنِيُّ والمُبْنَى عليه باطلان، وليس كل ما وجد في كتاب يجوز نقله والاعتماد عليه، ولا الإفتاء والقضاء به، وإنما يفتى بما تواردت عليه كتب المذهب، وعلمت صحته، وعدم تخطئة قائله، وإلا كان الناقل كجارف سيل، أو حاطب ليل يحمل الأفعى وهو لا يدرى، خصوصا من يطالع كتب الفتاوى، ويفتي منها قبل أن يمتزج الفقه بدمه ولحمه، ويصرف فيه جل همته وعزمه، فإن خطأه يكون أكثر من صوابه، ولا يحل لمن يعلم حاله الاعتماد على جوابه.

ولهذا قال الإمام قاضي القضاة: شمس الدين الحريري أحد شراح الهداية في كتابه " إيضاح الاستدلال على إبطال الاستبدال"، نقلا عن الإمام صدر الدين سليمان: إن هذه الفتاوى هي اختيارات المشايخ فلا تعارض كتب المذهب، قال: وكذا كان يقول غيره من مشايخنا، وبه أقول انتهى.

(وقال العلامة الشيخ خير الدين الرملي في مسائل شتى من فتاويه الخيرية ما نصه: ولا شك أن معرفة راجح المختلف فيه من مرجوحه، ومراتبه قوة وضعفا هو نهاية آمال المشمرين في تحصيل العلم، فالمفروض على المفتي والقاضي التثبت في الجواب، وعدم المجازفة فيهما؛ خوفا من الافتراء على الله بتحريم حلال وضده، ويحرم اتباع الهوى، والتشهي، والميل إلى المال الذي هو الداهية الكبرى والمصيبة العظمى؛ فإن ذلك أمر عظيم لا يتجاسر عليه إلا كل جاهل شقي. انتهى كلام الخيرية، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

(قال ذلك بلسانه، وكتبه ببنانه الفقير إلى عفو رب العالمين محمد أمين بن عمر عابدين، خادم العلم الشريف بدمشق الشام عفا عنه الملك السلام.

(وسئلت) في رمضان سنة أربعين ومائتين وألف: عما إذا جرت العادة بين التجار أنهم يستأجرون مركبا

(وسئلت) في رمضان سنة أربعين ومائتين وألف: عما إذا جرت العادة بين التجار أنهم يستأجرون مركبًا من مراكب أهل الحرب؛ لحمل بضائعهم وتجاراتهم، ويدفعون للمراكبي الحربي الأجرة المشروطة، وتارة يدفعون له مبلغا زائدا على الأجرة؛ لحفظ البضائع بشرط ضمان ما يأخذه أهل الحرب منها، وأنه إن أخذوا منه شيئا فهو ضامن لصاحبها جميع قيمة ذلك، فاستأجر رجل من التجار رجلا حربيا كذلك، ودفع له مبلغا تراضيا عليه، على أنه إن أخذ أهل الحرب منه شيئا من تلك البضاعة يكون ضامنا لجميع ما يأخذونه، فسافر بمركبه، فأخذه منه بعض القطاع في البحر من أهل الحرب، فهل يلزمه ضمان ما التزم حفظه، وضمانه بالعوض أم لا؟

(فأجبت): الذي يظهر من كلامهم عدم لزوم الضمان؛ لأن ذلك المراكبي أجير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015