وقال رحمه الله - في رده على نفاة التحسين والتقبيح الذاتي للأفعال (?):

"قولكم: فكيف يعرفنا العقل وجوباً: على نفسه بالمعرفة، وعلى الجوارح بالطاعة، وعلى الرب بالثواب والعقاب.

(فيقال): وأي استبعاد في ذلك؟ وما الذي يحيله؟ فقد عرفنا العقل من الواجبات عليه ما يقبح من العبد تركها. كما عرفنا، وعرف أهل العقول، وذوي الفطر التي لم تتواطأ على الأقوال الفاسدة: وجوب الإقرار بالله وربوبيته وشكر نعمته ومحبته، وعرفنا قبح الإشراك به، والإعراض عنه، ونسبته إلى ما لا يليق به. وعرفنا: قبح الفواحش والظلم والإساءة والفجور والكذب والبهت والإثم والبغي والعدوان، فكيف نستبعد منه أن يعرفنا وجوباً على نفسه بالمعرفة، وعلى الجوارح - بالشكر المقدور المستحسن في العقول التي جاءت الشرائع بتفصيل ما أدركه العقل منه جملة، وبتقرير ما أدركه تفصيلاً.

وأما الوجوب على الله بالثواب والعقاب فهذا مما تتباين فيه الطائفتان أعظم تباين. فأثبتت القدرية من المعتزلة عليه تعالى وجوباً عقلياً، وضعوه شريعة له بعقولهم، وحرموا عليه الخروج عنه، وشوّهوا (?) في ذلك كله بخلقه، وبدّعهم في ذلك سائر الطوائف وسفهوا رأيهم فيه، وبينوا مناقضتهم وألزموهم بما لا محيد لهم عنه.

ونفت الجبرية أن يجب عليه ما أوجبه على نفسه، ويحرم عليه ما حرمه على نفسه، وجوّزوا عليه ما يتعالى ويتنزّه عنه، وما لا يليق بجلاله مما حرمه على نفسه، وجوّزوا عليه ترك ما أوجبه على نفسه مما يتعالى ويتنزه عن تركه وفعل ضدّه. فتباين الطائفتان أعظم تباين.

وهدى الله الذين آمنوا - أهل السنة الوسط - للطريقة المثلى التي جاء بها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015