فبعث المكتفي بالحسين بن حمدان في طلبهم مع وجوه من القواد، فدخل دمشق وهم بطبرية، فساروا نحو السماوة، وتبعهم ابن حمدان في البرية، فأخذوا يغورون ما يرتحلون عنه من الماء، فانقطع ابن حمدان عنهم لعدم الماء، ومال نحو رحبة مالك بن طوق، فأسرى القرامطة إلى هيت، وأغاروا عليها لتسع بقين من شعبان سنة ثلاث وتسعين، ونهبوا الربض والسفن التي في الفرات، وقتلوا نحو مائتي إنسان.

ثم رحلوا بعد يومين بما غنموه، فأنفذ المكتفي إلى هيت محمد بن إسحاق بن كنداج في جماعة من القواد بجيش كثيف، وأتبعه بمؤنس، فإذا هم قد غوروا المياه، فأنفذ إليهم من بغداد بالروايا والزاد، وكتب إلى ابن حمدان بالنفوذ إليهم من الرحبة.

فلما أحسوا بذلك ائتمروا بصاحبهم المعلم، ووثب عليه رجل من أصحابه يقال له الذئب بن القائم فقتله، وشخص إلى بغداد متقربا بذلك، فأسنيت له الجائزة، وكف عن طلب قومه، وحملت رأس القائم المسمى بنصر المعلم إلى بغداد.

ثم إن قوما من بني كلب أنكروا فعل الذئب وقتله المعلم، ورضيه آخرون، فاقتتلوا قتالا شديدا، وافترقوا فرقتين، فصارت الفرقة التي رضيت قتل المعلم إلى عين التمر، وتخلفت الأخرى؛ وبلغ ذلك زكرويه وأحمد بن القاسم عنده فرده إليهم، فلما قدم عليهم جمعهم ووعظهم وقال: أنا رسول وليكم، وهو عاتب عليكم فيما أقدم عليه الذئب بن القائم، وأنكم قد ارتددتم عن الدين.

فاعتذروا، وحلفوا ما كان ذلك بمحبتهم، وأعلموه بما كان بينهم من الخلف والحرب، فقال لهم: قد جئتكم الآن بما لم يأتكم به أحد تقدمني، يقول لكم وليكم: قد حضر أمركم، وقرب ظهوركم، وقد بايع له من أهل الكوفة أربعون ألفا، ومن أهل سوادها أكثر، وموعدكم اليوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015