ورجح في موضع آخر ما عليه أكثر الصوفية، أن الفقير الصابر أفضل، وأشار إلى أن الخلاف في الفقير الذي يجد مرارة الصبر.

والفقير الراضي الذي لا يجده مرارة الفقير الشاكر الذي بحلول الفقير فهو أفضل قطعا.

واستدل ابن عبد السلام وغيره لما رجحوه، من أن الغني الشاكر أفضل بأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم استعاذ من الفقر.

قال: ولا يجوز حمله على فقر النفس، لأنه خلاف الظاهر بغير دليل، وبأن أخرجا له صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الغني بخيبر وفدك والعوالي وأموال بني النضير وغيرها.

وكذا من تأخر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.

وإذا كان أغلب أحواله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الفقر إلى أن أغناه الله تعالى بما ذكر، لأن الأنبياء والأولياء لا يأتي عليهم يوم إلا والذي بعده خير منه.

وقد ختم أمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالغني، ولم يخرجه عما كان يتعاطاه في فقره من البذل، لا يقال انتصارا للثاني، إنما استعاذ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الفقر لأنه مصيبة من مصائب الدنيا، والغنى نعمة من نعمها فور أنهما الرضى والعافية، فكون الرضى فيه الثواب، لا يمنع سؤال العافية.

وأيضا فالذي اختاره الله تعالى لنبيه وجمهور صحابته هو الفقر غير المدقع.

وأيضا فالفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء وبخمسمائة عام، وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة يسألون عن فضول أموالهم.

لأنا نقول الجواب: أما عن الأول: فهو أنه لا دلالة فيه لترجيح أفضلية الفقير الصابر كماهو ظاهر.

وأما عن الثاني: فهو أنه مردود بما مر من أن الذي ختم به أمره صلى الله تعالى عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015