وإن الفن الذى يجمع من ذلك زبدة الأوطاب، ويميز بين ما خبث وطاب، علم التاريخ الذى هو من أجل ما يدخر، وتقدم أهميته ولا تؤخر، يريك من المعدوم موجودا، ومن المقطوع سابقا فصلا ممدودا، حتى كان من انقرض الآن ينطق، وشمس حياته لا زالت تشرق، فلم يفت المتقدم المتأخر إلا بالأشباح والصور، إذا جليت منهم العبر وتليت عليهم السور.

أخبار من سبقوا إدراك عصرهم ... وجودهم يجتلى في طى نشرهم

ناجوك دون لسان إذ تبين من ... حديثهم ما خلا في مر عمرهم

فاعرف قدره ما بين الفنون، ومتن فخامته إذا تليت المتون، فقد نوه الذكر الحكيم بإنافة شأنه. وقص على المعتبر فائدته وبدائع حسنه، وناهيك بما ضمنه من أسراره، وكشف للألباب من خبايا أستاره، فقد أرى أخبار المرسلين وحميد سيرهم، وما لقوا من نشأتهم إلى انتقالهم عن عالم الدنيا ورحلتهم، ومن أجل ذلك أمر الله أشرف الموجودات، أن يتأسى بهم في سنى تلك الحالات فقال: (فبهداهم اقتده).

ولهذا ومثله تصدى الأعلام لتدوينه، والتنقير عن تفصيل حوادثه وشئونه، اقتفاء لما ذكر الله في الكتاب، وانتحالا لما يستعذب ويستطاب ما بين موجز ومطنب، ومشرق فيه ومغرب.

بيد أنى لم أجد من يشفى العلة، ويبرد من الصادى الغلة، بشرح أنباء مكناسة الزيتون، ونظم ما تناثر من درها المكنون، بعد بلاغ الجهد في القديم والحديث، فيمن يروى مسند ذلك الحديث، وما صنفه إمام المحققين وخاتمتهم ابن غازى في روضه الهتون، نقطة من بحر ولقطة عجلان لا تأتى على البعض من عجائب بيت الملك وسرها المصون، ولا تروى من هو بقيظ الجهل بها صديان،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015