أوروبا ضد الكنيسة، وضد القائمين عليها، واستبدالها بالمادة المهيمنة على كل شيء، إذ يزعمون -وبئس ما يزعمون- أن الكون وما فيه إنما وجد من أصل المادة، وبنوا على ذلك إلحادهم في إنكار وجود الله تعالى، فخرجوا بذلك عن مفهوم هذا التعريف للمادة وتجاوزوه، فإن الأمور الغيبية وأمور الدين لا تخضع لتجربة الإنسان ولا تدركها حواسه، كما بنوا عليها تفسيرهم التاريخي لحياة الإنسان وتطوراته.

وكان الماديون الشيوعيون قد أقاموا هذه الفكرة -فكرة المادية- في مضادة أي شيء يتعلق بعالم الروح والغيب، حيث لا يؤمنون بوجود الروح لأنها تباين المادة، التي إذا وجدت في شيء أعطته الحياة ضرورة، فالمادة هي كل شيء، وجعلوا المادة هي البديل عن الله -عز وجل، بزعم أن معاملهم قد أعطتهم الدليل المادي على ذلك، ولقد كذبوا وتناقضوا وظهر جهلهم وتخبطهم في نظرياتهم المتضاربة المتناقضة، فالطبيعة عندهم هي قبل كل شيء ولا نهاية لها، ومنها انبثق كل مخلوق على وجه الأرض، والطبيعة عندهم هي موجودة بذاتها قبل كل ذات، وهي الخالق لكل شيء بقوانينها والعالم عندهم في حركة تغير مستمر.

وهذا التغير يأتي عن طريق تناقض الأضداد، وكل فكرة تؤدي إلى نقيضها والفكرة ونقيضها تؤديان إلى نتيجة جديدة، كلها ناتجة عن ترابط الأشياء بعضها ببعض، ولا يمكن أن يكون أي حادث منفصلًا بنفسه عن البيئة المحيطة به في حركة دائبة يسمونها الحركة في الطبيعة، ويقصدون بها أن كل موجود إنما هو نتيجة لحركة المادة وتطورها بدءًا وانتهاء، تنشأ ثم تضمحل أبد الدهر في تطوير يسمونه التطور في الطبيعة، ويتم هذا في حركات سريعة ضرورية، وأحيانًا تحصل فجأة تنتقل معها الأشياء من البسيط إلى المركب ومن الأدنى إلى الأعلى، في تطور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015