و"سيبويه" و"ابن كيسان" و"المبرد" و"الجرمي" وغيرهم، كانوا مبرزين في علم القراءات كما كان الكثيرون من أئمة القراء كـ "أبي عمرو بن العلاء" و"على الكسائي" بازعين في علم النحو.

هذا. فكل من يتصدى للنظر في تاريخ اللغة العربية، والقضايا التي تتناولها كتب النحويين، أو البحث في نوع اللغات واختلافها، بحسب الأقطار والأمصار، ينبغي له أن يتبع علم القراءات والتجويد.

ومن شرع في درس معاني القرآن واستقصاء لطائفه واستخراج حقائقه، ثم اعتمد على القراءة الوحيدة التي يحدها في المصحف الذي بين بديه فقط، من غير الثقات إلى روايات الأئمة الآخرين، فقد غفل عن أمر ذي بال، هو: أنه لا فضل لإحدى الروايات على الأخرى في الصحة فترجح رواية على رواية.

هذا.

ولقد منَّ الله على شخصي الضعيف إذ أعانني على تحقيق وتقديم كتاب "إبراز المعاني في حرز الأماني" في القراءات السبع، الذي صنفه الإمام الكبير "عبد الرحمن بن إسماعيل" المعروف بأبي شامة الدمشقي، وهو يعتبر ولا غرو من أنفع الكتب في هذا العلم، ويعد من أجل التصانيف وألطفها؛ إذ امتاز عن غيره -معسبقه وتقدمه- بالتصدي لبيان توجيه القراءات من لغة العرب، واهتمامه بقضايا الإعراب، وتفرده رحمه الله بإصلاح ما عن له إصلاح من أبيات القصيد للمبارك، استجابة منه لقول الناظم "وليصلحه من جاد مقولا" كما اهتم بنظم ياءات الزوائد في نهاية كل سورة من سور القرآن.

ولقد أحسن وأجاد، وأتقن وأفاد، حيث صنف هذا الكتاب على نحو بقرب تناوله، ويسهل فهمه، ويخفف درسه، إذ خلا من الإفراط الممل، ونأى عن التفريط المخل.

وقد شغفت بأبي شامة حيما قرأت كتابه هذا، وحرصت جد الحرص على دراسته بإرادة قوية، وهمة فتية، ونفس طلعة، وكنت كلما عاودت مطالعته وأطلت التأمل فيه بدت لي روعته، وتجلت دقته، فما من موضوع أتناوله بالبحث والتمحيص، إلا وجدت أضواء التحقيق تشرق من سماء عباراته، وأريج التدقيق يعبق من رياض أساليبه.

فلا عجب أن تظل كتبه الدوحة التي يتفيأ في ظلالها الدراسون للقرآن والقراءات، والمنارة التي يهتدي بها الغائصون على درر الوجوه والروايات.

وإني إذ أقدمه إلى القراء: أرجو الله أن يحقق ما إليه قصدت، وفيه رغبت ويعلم الله مدى ما بذلت فيه من جهد. وما أنفقت من وقت، وما تقاضى من مشاق، وحسبي أنها خالصة لوجه الله، وفي سبيل الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015