المعنى ولا بغيره، ثم كان يلزم هؤلاء أن يميلوا لمن أمال وهو خلاف الإجماع، وأن يكتبوها بالياء وليس ذلك بمستقيم.

قلت: فهذه ثلاثة أوجه وهي خمسة في المعنى؛ لأن الأول اختلف في تقديره على وجهين: "لَِمن ما" بكسر الميم وفتحها، وهذا الثالث اختلف في ألفه على وجهين؛ أحدهما: أنها بدل من التنوين، والثاني أنها للتأنيث.

القول الرابع: قال الزجاج: وقال بعضهم قولا ولا يجوز غيره:

"إن لما" في معنى "إلا" مثل: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 1، ثم أتبع ذلك بكلام طويل مشكل حاصله: أن معنى: إن زيد لمنطلق: ما زيد إلا منطلق، فأجريت المشددة كذلك في هذا المعنى إذا كانت اللام في خبرها، وعملها النصب في اسمها باقٍ بحاله مشددة ومخففة، والمعنى نفي بأن وإثبات باللام التي في معنى إلا ولما بمعنى إلا، قلت: قد تقدم إنكار أبي علي جواز إلا في مثل هذا الموضع فكيف يجوز لما التي بمعناها على أن من الأئمة من أنكر مجيء لما بمعنى إلا، قال أبو عبيد: أما من شدد لما يتأولها إلا فلم نجد هذا في كلام العرب ومن قال هذا لزمه أن يقول: رأيت القوم لما أخاك يريد إلا أخاك، وهو غير موجود، قال الفراء: أما من جعل لما بمنزلة إلا فإنه وجه لا نعرفه، وقد قالت العرب مع اليمين: بالله لما قمت عنا وإلا قمت عنا فأما في الاستثناء فلم تقله في شعر ولا غيره ألا ترى أن ذلك لو جاز لسمعت في الكلام: ذهب الناس لما زيدًا.

قلت: وقد ذكر ابن جني وغيره أن إلا تقع زائدة فلا بُعد في أن تقع لما التي بمعناها زائدة فهذا وجه آخر فصارت الوجوه سبعة والصحيح في معنى لما المشددة في هذه السورة ما قاله الشيخ أبو عمرو -رحمه الله- في أماليه المفرقة على مواضع من القرآن وغيره قال لما هذه هي لما الجازمة حذف فعلها للدلالة عليه لما ثبت من جواز حذف فعلها في قولهم: خرجت ولما وسافرت ولما ونحوه وهو سائغ فصيح، فيكون المعنى: وإن كلا لما يهملوا ولما يتركوا لما قدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين كقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} ، ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم ثم بين ذلك بقوله: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} قال: وما أعرف وجها أشبه من هذا وإن كانت الناس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في القرآن قال: والتحقيق يأبى استبعاد ذلك، قلت: هذا وجه مليح ومعنى صحيح والسكوت على "لما" دون فعلها قد نص عليه الزمخشري في مفصله، وأنشد ابن السكيت شاهدا على ذلك في كتاب معاني الشعر له:

فجئت قبورهم بدءا ولما ... فناديت القبور فلم يجبْنَهْ

وقال في معناه بدءا؛ أي: سيدا وبدؤ القوم؛ أي: سيدهم وبدء الجزو خبر أنصبائها قال: وقوله: ولما؛ أي: لم أكن سيدا إلا حين ماتوا فإني سدت بعدهم كما قال الآخر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015