هذا بيت يتضمن بيتين ومعناهما فيه أظهر منه فيهما:

وطورا أسميهم فلا رمز معهم ... وباللفظ أستغني عن القيد إن جلا

وما كان ذا ضد غنيت بضده ... كصِلْ زِدْ ودَعْ حرِّك وسهِّل وأبدِلا

ومد وتنوين وحذف ومدغم ... وهمز ونقل واختلاس وميلا

وجمع وتذكير وغيب وخفة ... ورقق وغلظ أخر اقطع وأهملا

وإن أطلق التحريك نصا ولازما ... من الضد فهو الفتح حيث تنزلا

وحيث أقول الضم والجزم ساكنا ... فغيرهم بالفتح والرفع أقبلا

وفي الرفع والتذكير والغيب لفظها ... وبالفتح واليا الكسر والنون قوبلا

أي لفظها مغنٍ عن تقييدها وقوبل الكسر بالفتح وقوبل النون بالياء ولم أعدد ألقاب الحركا باعتبار البناء والإعراب إذ ألقاب كل نوع تطلق على الآخر وهو مجرد اصطلاح.

والمعنى: الذي ذكرناه في فائدة ذكره للمغايرة بينهما قد أعرض عنه حيث يبين حرف الإعراب والبناء كما سبق، وقد يطلق حيث لا يتعين ذلك الحرف كما في "يزلقونك" فهو قليل الجدوى فالإعراض عنه أولى تخفيفًا عن خاطر الطالب.

ثم شرع يثني على قصيدته ويصفها بالجزالة وصحة المعاني ويذكر ما اشتملت عليه من العلم فقال:

67-

أَهَلَّتْ فَلَبَّتْهَا المَعَانِي لُبَابُهاَ ... وَصُغْتُ بِهَا مَا سَاغَ عَذْباً مُسَلْسَلاَ

أي لكثرة ما أودعت من جيد المعاني كأنها كانت صرخت بها، أي نادتها فأجابتها بالتلبية ولبابها بدل من المعاني بدل البعض من الكل وقيل بدل اشتمال وهو وهم أي لم يلبها إلا خيار المعاني وشرافها، وصغت من الصياغة ويعبر بها عن إتقان الشيء وإحكامه ما ساغ أي الذي ساغ استعماله من الكلمات يقال ساغ الشراب أي سهل مدخله في الحلق وتسلسل الماء جرى في حدور وعذبا مسلسلا حالان من فاعل ساغ العائد على ما أو يكون مسلسلا صفة عذبا أي مشبها ذلك أو يكون عذبا نعت مصدر محذوف أي صوغا عذبا يستلذه السمع ويقبله الطبع.

68-

وَفي يُسْرِهَا التَّيْسِيرُ رُمْتُ اخْتَصَارَهُ ... فَأَجْنَتْ بِعَوْنِ اللهِ مِنْهُ مُؤَمَّلاَ

أي وفيما يسره الله سبحانه منها جميع مسائل كتاب التيسير في القراءات السبع من الطرق التي تقدم ذكرها فالتيسير مبتدأ وما قبله خبره، وقيل: في يسرها "من" صلة رمت أو اختصاره وجاز تقديمه على المصدر؛ لأنه ظرف ورمت الشيء طلبت حصوله فأجنت أي كثر جناها منه أي من التيسير أو من الله تعالى ومؤملا حال من الهاء على التقديرين، وقيل إن عادت على التيسير فهو تمييز، ويجوز أن تكون الهاء في منه للاختصار ومؤملا حال منه، ويجوز أن تكون من أجنيته الثمرة فيكون مؤملا مفعولا به ثانيا أي فأجنتني مؤملي ومنه على هذا يجوز تعلقه بأجنت وبمؤملا ولو قال على هذا المعنى المؤملا بالألف واللام لظهر المعنى وكان أحسن.

ومصنف التيسير هو الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، وأصله من قرطبة مقرئ محدث، مات بدانية سنة أربع وأربعين وأربعمائة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015