{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} 1، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} 2.

فإن قالوا: ما زائدة فكأنها ساقطة في اللفظ؛ لسقوطها في المعنى.

قلت: والمفعول المقدم هو في غير موضعه معنى، فكأنه مؤخر لفظا، ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام المنثور مثله؛ لأنه نافٍ، ومن أسند هذه القراءة مثبت والإثبات مرجح على النفي بإجماع، ولو نقل لي هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله: فما باله لا يكتفي بناقلي القراءة عن التابعين عن الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعين ثم الذي حكاه ابن الأنباري فيه الفصل في غير الشعر بجملة مستقلة مركبة من فعل، وفاعل مع حرف شرط مما يقوي ما ذكرناه أنهم التزموا أن الفصل بالجار والمجرور لم يأت إلا في الشعر، وقد روت الرواة في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الفصل بهما وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "فهل أنتم تاركو لي صاحبي"، و "تاركوا لي أمرائي"؛ أي تاركوا صاحبي لي وتاركوا أمرائي لي فلم يبق لهم تعلق بأنه لم يأت في الكلام المنثور فصل بالمفعول ولا بالظرف ونحوه والله أعلم.

قال أبو القاسم الكرماني في لباب التفاسير: قراءة ابن عامر وإن ضعفت في العربية؛ للإحالة بين المضاف والمضاف إليه فقويت في الرواية عالية، وفي كتاب الخصائص لابن جني بأن ما يرد عن العربي مخالفا للجمهور إذا اتفق شيء من ذلك نظر في حال العربي، وفيما جاء به فإن كان فصيحا، وكان ما أورده مما يقبله القياس فإن الأولى أن يحسن الظن به، وقد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها، أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن أبي الحجاج عن أبي خليفة الفضل ابن الحباب قال: قال ابن عون عن ابن سيرين: قال عمر بن الخطا رضي الله عنه: كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام، فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهيت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب في الأمصار راجعوا رواية الشعر، فلم يئوبوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من هلك من العرب بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم كثيره. قال: وحدثنا أبو بكر عن أبي خليفة قال: قال يونس بن حبيب: قال أبو عمرو بن العلاء: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرٌ؛ لجاءكم علم وشعر كثير. قال أبو الفتح: إذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ ما وجد طريق إلى تقبل ما يورده إذا كان القياس يعاضده.

قلت: وقد بينا وجه القياس في هذه القراءة، وقد حان نقلها من طريق صحيح وبالله التوفيق.

وقول الناظم رحمه الله: أبي مزادة الأخفش بفتح الهاء من مزادة؛ أراد أن يأتي بلفظ الشاعر، فأبقى الهاء ساكنة فلقيها سكون اللام في الأخفش فلزم تحريكها، ففتحها على حد قوله سبحانه: "الم الله".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015