عنهم الاختلاس، وهو حسن قريب من الإخفاء، وقال في الكشف: روي عن أهل الإخفاء الاختلاس، وهو حسن، وروي الإسكان للعين، وليس بشيء، ولا قرأت به؛ لأن فيهما جمعا بين ساكنين ليس الأول حرف مد، ولين، وذلك غير جائز عند أحد من النحويين، وقال أبو علي: من قرأ: {فَنِعِمَّا} بسكون العين لم يكن قوله: مستقيمًا عند النحويين؛ لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بمد، ولين، وقد أنشد سيبويه شعرا قد أجتمع فيه الساكنان على حد ما اجتمعا في نعما، وأنكره أصحابه قال: ولعل أبا عمرو أخفا ذلك كأخذه بالإخفاء في نحو: {بَارِئِكُمْ} ، و {يَأْمُرُكُمْ} ، فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك في السمع، وخفائه، وقال أبو جعفر النحاس: فأما الذي حكي عن أبي عمرو، ونافع من إسكان العين فمحال.

حكي عن محمد بن يزيد أنه قال: أما إسكان العين، والميم مشددة فلا يقدر عليه أحد أن ينطق به، وإنما يروم الجمع بين ساكنين، ويحرك، ولا يأبه؛ أي: لا ينتبه للتحريك، ولا يفطن به.

وقد اختار قراءة الإسكان الإمام أبو عبيد: القاسم بن سلام، وهو من عجيب اختياراته، فذكر قراءة الإسكان في كتابه أولا ثم ذكر قراءة فتح النون، وكسر العين ثم قال: وبالقراءة الأولى قرأت؛ لأنها فيما يروى لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال لعمرو بن العاص: "نعما المال الصالح للرجل الصالح".

قال: هكذا يروى عنه -صلى الله عليه وسلم- على هذا اللفظ، قال: ثم أصل الكلمة أيضا إنما هي "نعم" زيدت فيها "ما"، وإنما قرأ تلك القراءة الأخرى من قرأها لكراهة أن يجمعوا بين ساكنين: العين، والميم، فحركوا العين، قال: وهو مذهب حسن في العربية، ولكنه على خلاف الحديث، والأصل جميعا.

قال أبو إسحاق الزجاج بعد ذكره كلام أبي عبيد: ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة البتة؛ لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد، ولا لين.

قلت: صدق أبو إسحاق فكما قيل عمن روى قراءة الإسكان: إنه سمع الإخفاء فلم يضبط، كذلك القول في رواة الحديث بل أولى؛ لكثرة ما يقع في الأحاديث من الروائق، على خلاف فصيح اللغة، وقد أخرج هذا الحديث الحاكم في كتابه المستدرك، وقال في آخره: يعني بفتح النون، وكسر العين: هذا حديث صحيح، قلت: والحديث بتمامه مذكور في ترجمة عمرو بن العاص في تاريخنا الشمي، وغيره، والباء في بالمال زائدة مثلها في: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 1، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015