ثم ذكر ما بعده همزة مضمومة لقلته وعلى فتحه واحد من مدلول سما ثم ذكر ما بعده همزة وصل وقدم ما معه لام التعريف؛ لكثرته ثم ذكر النوع الآخر ثم ذكر ما لا همز بعده وهو آخر الأنواع الستة.

واعلم أن الغالب على ياء الإضافة في القرآن الإسكان وأكثر ما فتح منها ما بعده همزة قطع، وسببه الخلاص بالفتح من المد وقد ذكر ابن مجاهد في كتابه: قال الفراء: وقد زعم الكسائي أن العرب تستحب نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام، قال الفراء: ولم أر ذلك عند العرب، رأيتهم يرسلون الياء فيقولون: عندي أبواك، ولا يقولون: عنديَ أبواك إلا أن يتركوا الهمزة، فيحولوا الفتحة في الياء، قال ابن مجاهد: فأما قولهم: لِيَ ألفان وبِيَ أخواي كفيلان، فإنهم ينصبون في هذين؛ لقلتهما. قلت: يعني قلة حروف الكلمتين "لي" و"بي" فحيث تقل الحروف يحسن الفتح ما لا يحل في كثرتها، وقد أفادنا ما حكاه عن الفراء أن معظم العرب على الإسكان، وأن من فتح منهم فأكثر فتحه فيما بعده همزة قطع، وأما ما بعده همزة وصل فلا؛ لأنه يلزم من إسكان الياء المد في القطع دون الوصل، ومذهب أكثر القراء عكس ذلك وهو اختيار الفتح قبل لام التعريف؛ لتظهر الياء ولا تحذف لالتقاء الساكنين، وفيما بعده همزة وصل بغير لام التعريف من الخلاف نحو مما بعده همزة قطع ولعل سببه أن همزة لام التعريف مفتوحة فكأن فتحتها نقلت إلى الياء وهمزة الوصل في غيرها مكسورة أو مضمومة، وقد أشار أبو عبيد إلى قريب من هذا الفرق في سورة الصف والخلاف في هذا الباب جميعه في الفتح والإسكان، وليس أحدهما ضدا للآخر، فكان الواجب عليه في اصطلاحه أن ينص في كل ما يذكره على القراءتين معا، لكن كان يطول عليه فاكتفى بدلالة النظم في جميع الباب على ذلك فإنه تارة ينص على الفتح وتارة على الإسكان ففهم من ذلك الأمران والله أعلم.

390-

فَأَرْنِي وَتَفْتِنِّي اتَّبِعْنِي سُكُونُهَا ... لِكُلٍ وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ وَلَقَدْ جَلا

يعني أن هذه الياءات الأربع وإن كان بعدها همزات مفتوحة فقد أجمعوا على إسكانها وليست من جملة التسع والتسعين التي ذكرها وأراد: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} وأتى به على قراءة ابن كثير والسوسي، و {لا تَفْتِنِّي أَلا} ، {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ} و {إلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ} .

وفائدة ذكره لهذه المواضع الأربعة من بين المجمع عليه أن لا يلتبس المختلف فيه بها؛ لأنها داخلة في الضابط المذكور وهو ما بعده همزة مفتوحة، فلولا تنصيصه عليها بالإسكان للكل لظن أنها من جملة العدة، فتفتح لمن يفتح تلك العدة، فعلم من ذكره لهذا المواضع أن المختلف فيه غيرها مما بعده همزة مفتوحة، وكذا يفعل فيما بعده مكسورة ومضمومة فلهذا قال: ولقد جلا أي كشف مواضع الخلاف وبينها، وفاعل جلا ضمير يرجع إلى الناظم أو إلى المذكور، وقيل يعود الضمير على السكون أي كشف فصاحة هذه اللغة وهي الإسكان بسبب الاتفاق عليه في هذه المواضع، وكذا فيما بعده همزة مكسورة أو مضمومة كما يأتي وقد ذكرنا فيم مضى أن أكثر الياءات في غير كلمات الخلاف مسكنة والمجمع على فتحه من ذلك ما قبله ساكن مدغم أو ألف نحو:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015