واسط – وهي مدينة متوسطة بين البصرة والكوفة –، ونادى الحجاج الناس أن يخرجوا لينظروا إلى روعة البناء، فسارع الحسن البصري وخرج في وسط الجموع الغفيرة وهم يطوفون بهذه البناية، فوقف فيهم خطيباً يعظ الناس ويقلل الدنيا في أعينهم، فقال: لقد نظرنا فيما ابتنى أخبث الأخبثين، فوجدنا أنّ فرعون شيّد أعظم مما شيَّد، وبنى أعلى مما بنى، ثم أهلك الله فرعون، وأتى على ما بنى وشيّد، ليت الحجاج يعلم أنّ أهل السماء قد مقتوه، وأن أهل الأرض قد غرّوه، فلما سمع الحجاج مقالة الحسن البصري امتقع لونه، وخرس لسانه، وغاص في جلده، ولم يتكلّم ببنت شفة، غير أنه اقتصر على قوله:

حسبك يا أبا سعيد. . . حسبك.

فرد عليه الحسن البصري بثبات جنان، ورباطة جأش: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبينّنه للناس، ولا يكتمونه.

ولم يملك الحجاج أن يفعل للحسن شيئاً وانصرف، وفي اليوم التالي عاتب جنده وحراسه، ووبّخهم، وعنّفهم قائلاً لهم: تبّاً لكم وسحقاً! يقوم عبد من عبيد أهل البصرة، ويقول فينا ما شاء أن يقول، ثم لا يجد فيكم من يرده أو ينكر عليه، والله لأسقينّكم من دمه يا معشر الجبناء.

واستدعي الحسن لينكّل به الحجاج في وسط حرسه وجنوده، وجاء الحسن، ولما رأى النّطع والسيف والسيّاف دعا ربه أن يكفيه شرّ الحجاج، وأن يجعل نقمته برداً وسلاماً، كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم الخليل - عليه السلام -، فدخل الحسن على الحجاج، ولم يعبأ بما رأى، ولم يهزهّ منظر السيف والنّطع والسيّاف، بل كان في عزّة المؤمن، ووقار الداعي إلى الله، فهابه الحجاج، وأقبل عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015