من ماتت وفي بطنها جنين حي، وأكل المضطر لحم آدمي ميت؛ إبقاء على حياته، وإيثار الجانب الحي على الجانب الميت، وبإلقاء أحد ركاب سفينة خيف عليهم الغرق ولا نجاة لهم إلا بإلقاء واحد منهم، إيثارا لمصلحة الجماعة على مصلحة الواحد، وقد سبق تفصيل ذلك، فلا يبعد أن يقال يجوز التشريح إلحاقا له بهذه النظائر في الحكم.

وقد يقال: إن الحوادث كانت منذ كان الناس، والطب قديم، والحاجة إلى تشخيص الأمراض ومعرفة أسبابها وطرق علاجها كان في العهود الأولى، ولم يتوقف شيء من ذلك على التشريح؛ ولهذا لم يقدم الأطباء قديما على التشريح، فلم نقدم عليه اليوم؟ وقد أورد فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف هذا السؤال على نفسه وأوضحه ثم أجاب عنه في فتواه التي سبق ذكرها.

وقد يقال أيضا: إن اقتضت المصلحة - ولا بد - تشريح إنسان ميت فليقتصر على تشريح المحاربين فإن دمهم هدر، ويستثنى منهم من نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم كنسائهم وصبيانهم، ولا ينافي ذلك ما ورد عنه من النهي عن التمثيل بقتلاهم فإن نهيه عنه مقيد بما إذا لم يوجد ما يقتضي التمثيل بهم، وهنا قد وجدت الضرورة، وبهذا يجمع بين مصلحة حرمة الميت المسلم والذمي ومصلحة الخدمات الطبية. وربما نوقش ذلك باحتمال عدم الكفاية بتشريح المحاربين أو عدم تيسر الحصول عليهم فيعود الأمر إلى البحث في تشريح جثث موتى المسلمين ومن في حكمهم، قد يقال: لا ضرورة تلجئ إلى تشريح جثث الموتى مطلقا، إذا يمكن أن يستغنى عن ذلك بتشريح الحيوانات بعد ذبح ما يذبح منها ذبحا شرعيا محافظة على المال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015