الله لهم متراخيا بعضه عن بعض رحمة منه بهم، فأوقعوه بلفظ واحد، فهذا يدل على أن لفظ الثلاث في الحديث مراد به جمع الثلاث دفعة، وإن كان في نفسه محتملا.

وأجيب سادسا: بمخالفة فتوى ابن عباس لروايته، فإنه لم يكن ليروي حديثا ثم يخالفه إلى رأي نفسه، ولذلك لما سئل أحمد بأي شيء تدفع حديث ابن عباس؛ قال: برواية الناس عنه من وجوه خلافه.

ونوقش: بأن الصواب من القولين في مخالفة الراوي لروايته أن الحديث الصحيح المعصوم لا يترك لمخالفة راويه، وهو غير معصوم، إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث أو أنه لا يحضره الحديث وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على المسألة التي خالفه فيها أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا، أو يقوم في علنه ما يعارضه ولا يكون معارضا له في الواقع، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه؛ لثقته به واعتقاد أنه إنما خالفه لدليل أقوى منه، وعلى هذا الأصل بنى المالكية والشافعية والحنابلة فروعا كثيرة، حيث قدموا العمل برواية الراوي على فتواه، وأيضا كما نقل عن ابن عباس إمضاء الثلاث، وروي عنه اعتبار الثلاث مجموعة طلقة واحدة، وإذا تعارضت الروايتان عدل عنهما إلى الحديث.

لكن هذه المناقشة مردودة بأمرين:

الأول: أن رواية الراوي إنما تقدم على قوله إذا كانت صريحة أو طاهرة في معنى قال بخلافه، وإلا قدم قوله؛ لأنه يدل على أن الاحتمال الذي خالفه قوله غير مراد من الحديث، وحديث ابن عباس هنا محتمل أن يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015