واجب بعد في أكثر من هذه الإقامة، وهو عليه السلام يتردد من مكة إلى حنين ثم إلى مكة معتمرا ثم إلى الطائف، وهو عليه السلام يوجه السرايا إلى من حول مكة من قبائل العرب، كبني كنانة وغيرهم، فهذا قولنا، وما دخل عليه السلام مكة قط من حين خرج عنها مهاجرا إلا في عمرة القضاء أقام بها ثلاثة أيام فقط، ثم حين فتحها كما ذكرنا محاربا، ثم في حجة الوداع أقام بها كما وصفنا ولا مزيد.

قال علي: وأما قولنا: إن هذه الإقامة لا تكون إلا بعد الدخول في أول دار الحرب وبعد الإحرام فلأن القاصد إلى الجهاد مادام في دار الإسلام فليس في حال جهاد، ولكنه مريد للجهاد وقاصد إليه، وإنما هو مسافر كسائر المسافرين، إلا أجر نيته فقط، وهو ما لم يحرم فليس يعد في عمل حج ولا عمل عمرة، لكنه مريد لأن يحج أو لأن يعتمر، فهو كسائر من يسافر ولا فرق.

قال علي: وكل هذا لا حجة لهم فيه؛ لأن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم لم يقل إذ أقام بمكة أياما: إني إنما قصرت أربعا؛ لأني في حج ولا لأني في مكة، ولا قال إذ أقام بتبوك عشرين يوما يقصر: إني إنما قصرت؛ لأني في جهاد، فمن قال شيئا من هذا فقد قوله عليه الصلاة والسلام ما لم يقل. وهذا لا يحل.

فصح يقينا أنه لولا مقام النبي عليه الصلاة والسلام في تبوك عشرين يوما يقصر وبمكة دون ذلك يقصر لكان لا يجوز القصر إلا في يوم يكون فيه المرء مسافرا ولكان مقيم يومه يلزمه الإتمام. لكن لما أقام عليه الصلاة والسلام عشرين يوما بتبوك يقصر صح بذلك أن عشرين يوما إذا أقامها المسافر، فله فيها حكم السفر. فإن أقام أكثر أو نوى إقامة أكثر فلا برهان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015