يدل على أنه لا يجوز إرداف الطلاق للطلاق حتى تنقضي العدة أو يراجعها؛ لأنه إنما أباح الطلاق للعدة: أي: لاستقبال العدة، فمتى طلقها الثانية والثالثة قبل الرجعة بنت على العدة، ولم تستأنفها باتفاق جماهير المسلمين. فإن كان فيه خلاف شاذ عن خلاس وابن حزم فقد بينا فساده في موضع آخر، فإن هذا قول ضعيف؛ لأنهم كانوا في أول الإسلام إذا أراد الرجل إضرار امرأته طلقها حتى إذا شارفت انقضاء العدة راجعها ثم طلقها ليطيل حبسها، فلو كان إذا لم يراجعها تستأنف العدة لم يكن بحاجة إلى أن يراجعها، والله تعالى قصرهم على الطلاق الثلاث دفعا لهذا الضرر، كما جاءت بذلك الآثار.

ودل على أنه كان مستقرا عند الله: أن العدة لا تستأنف بدون رجعة، سواء كان ذلك؛ لأن الطلاق لا يقع قبل الرجعة، أو يقع ولا يستأنف له العدة، وابن حزم إنما أوجب استئناف العدة بأن يكون الطلاق لاستقبال العدة. فلا يكون طلاق إلا يتعقبه عدة، إذا كان بعد الدخول، كما دل عليه القرآن، فلزمه على ذلك هذا القول الفاسد، وأما من أخذ بمقتضى القرآن وما دلت عليه الآثار فإنه يقول: إن الطلاق الذي شرعه الله هو ما يتعقبه العدة، وما كان صاحبه مخيرا فيها بين الإمساك بمعروف والتسريح بإحسان، وهذا منتف في إيقاع الثلاث في العدة قبل الرجعة فلا يكون جائزا. فلم يكن ذلك طلاقا للعدة، ولأنه تعالى قال: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (?) فخيره بين الرجعة وبين أن يدعها تقضي العدة فيسرحها بإحسان، فإذا طلقها ثانية قبل انقضاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015