والثاني: أنها قد تكون معلمة فيؤدي إلى انقطاع حرفتها، فإن قلنا بالأول جاز لها قراءة ما شاءت إذ ليس لما يخاف نسيانه ضابط، فعلى هذا هي كالطاهر في القراءة، وإن قلنا بالثاني لم يحل إلا ما يتعلق بحاجة التعليم في زمان الحيض، هكذا ذكر الوجهين وتفريعهما إمام الحرمين وآخرون. هذا حكم قراءتها باللسان؛ فأما إجراء القراءة على القلب من غير تحريك اللسان والنظر في المصحف وإمرار ما فيه في القلب فجائز بلا خلاف، وأجمع العلماء على جواز التسبيح والتهليل وسائر الأذكار غير القرآن للحائض والنفساء، وقد تقدم إيضاح هذا مع جمل من الفروع المتعلقة به في باب ما يوجب الغسل والله أعلم.

(فرع) : في مذاهب العلماء في قراءة الحائض القرآن. قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور تحريمها، وهو مروي عن عمر وعلي وجابر - رضي الله عنهم -، وبه قال الحسن البصري وقتادة وعطاء وأبو العالية والنخعي وسعيد بن جبير والزهري وإسحاق وأبو ثور. وعن مالك وأبي حنيفة وأحمد روايتان: إحداهما: التحريم، والثانية: الجواز، وبه قال داود.

واحتج لمن جوز بما روي عن عائشة - رضي الله عنها -: أنها كانت تقرأ القرآن وهي حائض، ولأن زمنه يطول فيخاف نسيانها، واحتج أصحابنا والجمهور بحديث ابن عمر المذكور، ولكنه ضعيف وبالقياس على الجنب، فإن من خالف فيها وافق على الجنب إلا داود. والمختار عند الأصوليين: أن داود لا يعتد به في الإجماع والخلاف، وفعل عائشة - رضي الله عنها - لا حجة فيه على تقدير صحته؛ لأن غيرها من الصحابة خالفها، وإذا اختلفت الصحابة - رضي الله عنهم - رجعنا إلى القياس، وأما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015