وكان أهل الكتاب أبعد منهم عن أكل الميتة والذبح لغير الله، ولأنه كان من سياسة الدين التشديد في معاملة مشركي العرب حتى لا يبقى في الجزيرة منهم أحد إلا ويدخل في الإسلام، وخفف في معاملة أهل الكتاب استمالة لهم، حتى إن ابن جرير روى عن أبي الدرداء وابن زيد أنهما سئلا عما ذبحوه للكنائس؟ فأفتيا بأكله، قال ابن زيد: أحل الله طعامهم، ولم يستثن منه شيئا، وأما أبو الدرداء فقد سئل عن كبش ذبح لكنيسة يقال لها: جرجس أهدوه لها، أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء للسائل: اللهم عفوا، إنما هم أهل كتاب طعامهم حل لنا وطعامنا حل لهم، وأمره بأكله، وروى ابن جرير أيضا وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في [سننه] عن ابن عباس في قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (?) قال: ذبائحهم.

وروى مثله عبد بن حميد عن مجاهد وعبد الرزاق عن إبراهيم النخعي، وقد أجمع الصحابة والتابعون على هذا، وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة التي أهدتها إليه اليهودية ووضعت له السم في ذراعها، وكان الصحابة يأكلون من طعام النصارى في الشام بغير نكير، ولم ينقل عن أحد منهم خلاف إلا في بني تغلب وهم بطن من العرب انتسبوا إلى النصارى ولم يعرفوا من دينهم شيئا، فنقل عن علي كرم الله وجهه: أنه لم يجز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم، معللا ذلك بأنهم لم يأخذوا من النصارى إلا شرب الخمر، يعني: أنهم على شركهم لم يصيروا أهل كتاب، واكتفى جمهور الصحابة بانتمائهم إلى النصرانية، روى ابن جرير عن عكرمة قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015