المشتري غارا له؛ ولهذا ألحق مالك وأحمد بذلك كل مسترسل، والمسترسل: الذي لا يماكس الجاهل بقيمة المبيع، فإنه بمنزلة الجالبين الجاهلين بالسعر فتبين أنه يجب على الإنسان أن لا يبيع مثل هؤلاء إلا بالسعر المعروف، وهو ثمن المثل، وإن لم يكن هؤلاء محتاجين إلى الابتياع من ذلك البائع، لكن لكونهم جاهلين بالقيمة أو مسلمين إلى البائع غير مماكسين له، والبيع يعتبر فيه الرضا، والرضا يتبع العلم، ومن لم يعلم أنه غبن فقد يرضى وقد لا يرضى، فإذا علم أنه غبن ورضي فلا بأس بذلك، وإذا لم يرض بثمن المثل لم يلتفت إلى سخطه.

لهذا أثبت الشارع الخيار لمن لم يعلم بالعيب أو التدليس، فإن الأصل في البيع الصحة وأن يكون الباطن كالظاهر، فإذا اشترى على ذلك فما عرف رضاه إلا بذلك، فإذا تبين أن في السلعة غشا أو عيبا فهو كما وصفها بصفة وتبينت بخلافها، فقد يرضى وقد لا يرضى، فإن رضي وإلا فسخ البيع، وفي [الصحيحين] عن حكيم بن حزام، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما (?) » وفي [السنن] : أن رجلا كان له شجرة في أرض غيره، وكان صاحب الأرض يتضرر بدخول صاحب الشجرة فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يقبل منه بدلها أو يتبرع له بها فلم يفعل، فأذن لصاحب الأرض في قلعها، وقال لصاحب الشجرة: «إنما أنت مضار (?) » فهنا أوجب عليه إذا لم يتبرع بها أن يبيعها، فدل على وجوب البيع عند حاجة المشتري، وأين حاجة هذا من حاجة عموم الناس إلى الطعام؟ ونظير هؤلاء الذين يتجرون في الطعام بالطحن والخبز، ونظير هؤلاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015