والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المخابرة وكراء الأرض قد جاء مفسرا بأنهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة معينة، ومثل هذا الشرط باطل بالنص وإجماع العلماء، وهو كما لو شرط في المضاربة لرب المال دراهم معينة، فإن هذا لا يجوز بالاتفاق؛ لأن المعاملة مبناها على العدل، وهذه المعاملات من جنس المشاركات، والمشاركة إنما تكون إذا كان لكل من الشريكين جزء شائع كالثلث والنصف، فإذا جعل لأحدهما شيء مقدر لم يكن ذلك عدلا، بل كان ظلما، وقد ظن طائفة من العلماء أن هذه المشاركات من باب الإجارات بعوض مجهول، فقالوا: القياس يقتضي تحريمها، ثم منهم من حرم المساقاة والمزارعة وأباح المضاربة استحبابا للحاجة؛ لأن الدراهم لا يمكن إجارتها، كما يقول أبو حنيفة، ومنهم من أباح المساقاة، إما مطلقا كقول مالك والقديم للشافعي، أو على النخل والعنب كالجديد للشافعي، لأن الشجر لا يمكن إجارتها بخلاف الأرض، وأباحوا إليه من المزارعة تبعا للمساقاة، فأباحوا المزارعة تبعا للمساقاة، كقول الشافعي: إذا كانت الأرض أغلب، أو قدروا ذلك بالثلث كقول مالك، وأما جمهور السلف وفقهاء الأمصار فقالوا: هذا من باب المشاركة لا من باب الإجارة التي يقصد فيها العمل، فإن مقصود كل منهما ما يحصل من الثمر والزرع، وهما متشاركان هذا ببدنه، وهذا بماله، كالمضاربة؛ ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء: أن هذه المشاركات إذا فسدت وجب نصيب المثل لا أجرة المثل، فيجب من الربح أو النماء إما ثلثه وإما نصفه، كما جرت العادة في مثل ذلك، ولا يجب أجرة مقدرة، فإن ذلك قد يستغرق المال وأضعافه، وإنما يجب في الفاسد من العقود نظير ما يجب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015