ابجد العلوم (صفحة 76)

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر يقع فيه

ومنهم من يذكر ما قالوه بقصد أنهم إذا عرفوا أنه يعرف ما عندهم وقد ذكر الدليل أو رجح فلا يظنوا أنه فعل ذلك وهو جاهل لما عندهم وهذا مأجور وأن كان قصده إنما هو ليعرفوا أنه عالم فقط فهذا معجب بنفسه. ومنهم من يظهر بذلك لأهل مذهبه أنه لم يخالفهم وأنه باق على وفق قول إمامهم وهذا الفعل يخالف أخذ الميثاق وأمر العلماء بالبيان وخشية الله منهم وكونهم ورثة الأنبياء.

ولهذا البحث مزيد فائدة في القول السديد وقد جرت عادة الله سبحانه أن فاعل ذلك لا بد أن يبقى مضطهدا خائفا محروم العلم لا ينفعه ذلك في الدنيا وفي الآخرة شيئا وأن فاعل الحق ومتبعه والمتظهر بنصره والقيام لخدمته والبيان لما خالفه والرد على قائله في أعلى رتب الشرف وأرفع درجات الكمال مجلل مبجل مهاب وكان الفرد المنظور إليه بعين العلم وإن كلامه هو الحق والصواب متبع في الناس معمول بما قاله وإن خولف في مدة حياته كبعض العلماء الكبار. فتنظر بعد موته وإذا كلامه عند المخالف والموالف مقبول ويستدل به كل أحد. وتنظر وإذا كل مؤرخ إذا ذكره جعل ترجمته أكبر التراجم ويذكر من فضله ونبله ما يخلع قلوب مخالفيه ولا يقدر أحد على جحد فضائله ولا كتم مناقبه بل يشهد له بها المخالف كابن حزم وابن تيمية وغيرهما في كل عصر.

ثم إن لهم فضائل غير هذه منها: الصدع بالحق ونصره ودفع الباطل وإظهار ما وجب. ولذا ترى كثيرا من الصحابة يقولون: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كتم علما الحديث. وسمعت قول الله تعالى: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} ما حدثتك فكم للعلماء مواقف عند أمراء الجور وسلاطين الظلم يسطع فيها بالحق ويتكلم بما يوافق الشرع ولا تأخذه في دين الله لومة لائم ولا يردعه عن إظهار الحق رادع ولذا تنظر ما كان لهم من الأجر الجزيل والجزاء الجليل في قوله صلى الله عليه وسلم: "وأفضل من ذلك كله كلمة حق عند سلطان جائر" فتنظر وإذا القائل بالحق كلامه المصدق وقدره المبجل وشأنه عندهم المعظم وتنظر من داهن أو وافقهم على مرادهم رجاء لقربه منهم ودنو مودتهم له يكون عندهم مدحورا مذموما مردودا على أن يصير علم الثاني سخرية وضحكة ويبقى في أيدي الناس لعبة ويطرح عندهم إلى الغاية ويناله من الإهانة النهاية وكم في كل زمان من أهل هذا الشأن فالأول فاز وكان من أهل السعادة في الدارين. والثاني هلك وكان أرباب الشقاوة في الحالتين وصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "أنه من الثلاثة الذين تسعر بهم النار وأولهم دخولا فيها" نسأل الله سبحانه الهداية والصلاح وأسباب الألطاف التي تكون موجبة للفلاح والنجاح.

ومنها: الصبر على التعليم والتهذيب لمن وصل إليهم واشتغال أوقاتهم بالتدريب لهم وبذل مجهودهم في إخلاص نصحهم في إفادتهم.

ومنها: إفادة الناس فيما يحتاجون إليه من الفتيا ودفع الخصومات وإظهار الحق ودفع الباطل والقيام على الظالم والنصر للمظلوم وإيصال الخصم بما يستحقه من خصمه.

ومنها: أنهم أمان أهل الأرض عند إتيان الساعة وقرب حلولها فإن ارتفاع العلم من علاماتها وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ليس المراد ارتفاع نفس العلم وإنما هو قبض حامليه حتى تضرب أكباد الإبل في مسألة ولا يجدون من يفتي فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015