وَأَمَّا خِذْلَانُهُ فَلِأَنَّهُ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ وَلِيًّا لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ [فاطر 14] ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
[مَرْيَم: 42] ، وَخِذْلَانُهُ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى مَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ قَالَ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ [محمّد: 11] وَقَالَ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غَافِر: 50] .
[23، 24] .
وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24)
وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ.
عَطْفٌ عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ عَطْفَ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ تَخَلُّصًا إِلَى أَعْمِدَةٍ مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ بِمُنَاسَبَةِ الْفَذْلَكَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ إِصْلَاحَ الْأَعْمَالِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى نَبْذِ الشِّرْكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَد: 13- 17] .
وَقَدِ ابْتُدِئَ تَشْرِيعٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَحْكَامًا عَظِيمَةً لِإِصْلَاحِ جَامِعَتِهِمْ وَبِنَاءِ أَرْكَانِهَا لِيَزْدَادُوا يَقِينًا بِارْتِفَاعِهِمْ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ وَبِانْحِطَاطِ هَؤُلَاءِ عَنْهُمْ، وَفِي جَمِيعِهَا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا مُنْغَمِسِينَ فِي الْمَنْهِيَّاتِ. وَهَذِهِ الْآيَاتُ أَوَّلُ تَفْصِيلٍ لِلشَّرِيعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَعَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مَقْصُودٌ بِهِ تَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ. وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ أُسْلُوبُهُ عَنْ أُسْلُوبِ نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ الَّذِي وَجَّهَ فِيهِ الْخِطَابَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِتَوْقِيفِهِمْ عَلَى قَوَاعِدِ ضَلَالَتِهِمْ.
فَمِنَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْأُسْلُوبَيْنِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ افْتُتِحَتْ بِفِعْلِ الْقَضَاءِ الْمُقْتَضِي الْإِلْزَامَ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِخِطَابِ أُمَّةٍ تَمْتَثِلُ أَمْرَ رَبِّهَا، وَافْتُتِحَ خِطَابُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ [151] بِ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ كَمَا تَقَدَّمَ هُنَالِكَ.
وَمِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَعَلَتِ الْمَقْضِيَّ هُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ، لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ فَحَذَّرَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ. وَآيَةُ الْأَنْعَامِ جَعَلَتِ الْمُحَرَّمَ فِيهَا