بعد تخريج الحديث من عدة مصادر منها المستدرك، قال:
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
قال الألباني: وهذا من أغلاطهما الفاحشة، ثم ذكر العلة.
ذكر رحمه أيضا حديث: أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا والآخرة.
بعد التخريج قال الألباني:
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
قال الألباني: وهذا من أوهامهما الفاحشة، ثم ذكر الوهم.
والأمثلة على ما ذكرناه كثيرة لمن تتبعها في كتب المحققين من أهل العلم بالحديث وقواعده، وقد قرأت في بعض مصنفات الشيخ أبي إسحاق الحويني أن له كتابا بعنوان:
إتحاف الناقم بوهم الذهبي مع الحاكم، وقد ذكره في مقدمة كتابه تنبيه الهاجد وغيره من كتبه.
وعلى كل فليس موضوعنا يتعلق بتصحيح الحاكم وموافقة الذهبي له بقدر ما يهمنا تفيد مزاعم من يتعلل لصحة سماع أبي عبيدة من أبيه بتصحيح الحاكم لروايته وموافقة الذهبي له في ذلك، وبما أن الحاكم والذهبي قد يهما في الحكم على بعض الأحاديث، فليس من المستغرب أيضا أن يهما في تصحيح هذه الرواية المشار إليها ألا وهي أحاديث أبي عبيدة عن أبيه، والله أعلم.
وللعلم، فإن سند الحاكم المتقدم ذكره ضعيف، ففيه زهير وأبي إسحاق وكلاهما فيه مقال، لذلك لا يعول على في هذه المسألة عليه.
بعدما ذكرنا بعض الدلائل التي يعتمدها القائلون بتصحيح سماع أبي عبيدة من أبيه، نذكر هنا دليل النافين للسماع.
الدليل القاطع:
روى الترمذي في سننه (1/ 78 تحفة) وابن أبي حاتم في المراسيل (ص:256) والفريابي في أحاديثه (رقم:41) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله، هل تذكر من عبد الله شيئا؟ قال: لا.
فهذا نص صحيح صريح كاف لمن أراد الحق وسعى إليه، وفيه يثبت المعني بالأمر أنه لا يذكر شيئا عن أبيه عبد الله، فكيف يغفل عن هذا النص الصريح، ويتمسك بأمور واهية لا تسمن ولا تغني من جوع.
وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من العلماء والمحققين أذكرهم تباعا إن شاء الله مع ذكر المصادر التي ذكروا فيها ذلك:
صلى الله عليه وسلمأبو حاتم الرازي كما في المراسيل (ص:256).
صلى الله عليه وسلمابن حبان في كتاب الثقات. ذكره عنه الحافظ في التهذيب (5/ 65).
صلى الله عليه وسلمالبوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 102).
صلى الله عليه وسلمالبيهقي في السنن الكبرى (1/ 402) (2/ 468) (3/ 261) (5/ 333) (8/ 75).
وقد نقل عنه هذا القول الزيلعي في نصب الراية (1/ 146) (4/ 106) (4/ 360).
صلى الله عليه وسلمالدارقطني في العلل (5/ 130)، وفي تحفة المحتاج:
قال الدارقطني في علله: الصحيح عندي أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.
صلى الله عليه وسلمالنسائي في السنن الكبرى (1/ 31) (3/ 488).
صلى الله عليه وسلموفي الصغرى (3/ 104).
صلى الله عليه وسلمالترمذي في سننه تحت الأرقام التالية (17) (179) (366) (622) (1061) (1714) (301).
وقد نقله عنه غير واحد منهم الحافظ ابن حجر في الدراية (1/ 206)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 140)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 314) والزيلعي في نصب الراية (2/ 146) (2/ 347) وغير هؤلاء.
وعلى كل فكثير من العلماء تداولوا قول الترمذي خاصة على الأحاديث التي سبق أن ذكرت أرقامها، وإنما اكتفيت بهؤلاء خشية الإطالة.
صلى الله عليه وسلمابن حجر في فتح الباري (1/ 257) (2/ 314) وكذا في كتب أخرى له كمقدمة الفتح (ص:348) و (349)، وفي التلخيص الحبير تحت الأرقام (287) (406) (1495) وتعجيل المنفعة (501).
صلى الله عليه وسلمتهذيب التهذيب (4/ 166).
صلى الله عليه وسلمتقريب التهذيب (2/ 488).
صلى الله عليه وسلمابن الجوزي في التحقيق (1/ 124)، ونقله عنه الزيلعي في نصب الراية (4/ 359).
صلى الله عليه وسلمالمنذري في الترغيب والترهيب (1/ 246) ونقله عنه صاحب العون المعبود في مواضع منها (3/ 239) (7/ 270) (7/ 280) (9/ 176)، ونقله عنه أيضا المناوي في فيض القدير (3/ 276).
صلى الله عليه وسلمالحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (4/ 204) كما في الضعيفة (1/ 325).
صلى الله عليه وسلمالهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 164) (1/ 247) (1/ 260) (1/ 288) (1/ 318) (2/ 57) (2/ 60) (2/ 106) (2/ 136) (2/ 143) (2/ 178) (2/ 189) (2/ 194) (2/ 219) (2/ 232) (2/ 233) (2/ 242) (3/ 75) (3/ 140) (3/ 175) (4/ 288) (4/ 337) (5/ 99) (5/ 112) (6/ 86) (6/ 82) (6/ 274) (7/ 39) (7/ 55) (7/ 73) (7/ 193) (8/ 187) (8/ 202) (10/ 151) (10/ 155) (10/ 200).
وقد نقل عنه هذا القول المناوي في فيض القدير (2/ 90) (4/ 355).
صلى الله عليه وسلمالمباركفوري في تحفة الأحوذي (1/ 81).
صلى الله عليه وسلمالشيخ الألباني في مواطن متعددة من كتبه كما في الضعيفة (1/ 196) (1/ 325) وغيرهما.
صلى الله عليه وسلممحققوا مسند الإمام أحمد (طبعة الرسالة) (6/ 14) (6/ 15) (6/ 18) (6/ 26) (6/ 28) (6/ 32) (6/ 161) (6/ 178) (6/ 207) (6/ 210) ومواضع أخرى يطول ذكرها.
الخلاصة:
من خلال ما تقدم، يتضح جليا أن أدلة القائلين بإثبات السماع لا تنتهض للاحتجاج فضلا عن أن تكون حجة في نفسها، في حين نجد دليل النافين قوي جدا، وكيف لا يكون كذلك، وأبو عبيدة هو الذي يحكم بنفسه على نفسه، وقرر أنه لا يذكر شيئا عن والده رضي الله عنه.
فالصحيح إذن أن رواية أبي عبيدة عن أبيه منقطعة، أي ضعيفة، لكنها صالحة وقوية في الشواهد والمتابعات، وهذا ما قرره كثير من أهل العلم بالحديث رحمهم الله.
وصلى الله على نبينا محمد وآله.
كتبه الفقير إلى عفو ربه أبو عبد الله رشيد
وقد تمت إعادة كتابة هذا البحث والفراغ منه يوم الجمعة 2 دجنبر 2005 الموافق ل29 شوال 1425.
¥